وهذا صحيح، لأن الاكتفاء في الذكاة بقتل الجارح المعلم، والسهم ونحوه؛ إنما جاء نصا في غير المستأنس من الحيوان، فمن قتل حيوانا إنسيا بما يصاد به المتوحش بكلب أو آلة فلا يحل به، وهذا محل اتفاق، وقد حصل الخلاف فيما ند من المستأنس هل يذكى بما يذكى به الصيد من الآلة أو لا؟، حجة الأول حديث رافع بن خديج قال:«كنا مع النبي ﷺ بذي الحليفة، فأصاب الناسَ جوع، فأصبنا إبلا وغنما، إلى أن قال: فند منها بعير، وكان في القوم خيل يسيرة، فطلبوه فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله، فقال رسول الله ﷺ: «إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما ند عليكم منها؛ فاصنعوا به هكذا»، رواه البخاري (٥٤٩٨) ومسلم، والأوابد جمع آبدة هي في الأصل الغريبة، والمراد هنا ما سلك من الحيوان الإنسي مسلك الوحشي فيكون غريبا من هذا الوجه، ومعنى ند؛ هرب، لكن علماءنا حملوا هذا الحديث على مجرد حبس الحيوان المستأنس الهارب، ليتمكن من ذكاته على الأصل، ويرد هذا التأويل تشبيه النبي ﷺ المستأنس الذي ند بالوحشي فيما أقره من فعلهم، والوحشي يذكى بالرمي، فيكونان سواء في الوسيلة التي يحل بها كل منهما، وإذا كان الأمر هكذا مع الناد فأحرى أن يكون مع المستأنس الذي توحش.