الآتي، لكن من حلق لعذر؛ فعليه الفدية لقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦].
ولما رواه البخاري وغيره عن عبد الله بن معقل قال قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - فسألته عن فدية الصيام فقال: حملت إلى النبي ﷺ والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا، أما تجد شاة؟، فقلت: لا، قال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام، واحلق رأسك»، فنزلت في خاصة، وهي لكم عامة»، ورواه مالك في الموطإ (٩٤٨) نحوه، وظاهر هذه الرواية الترتيب بين النسك بشاة من جهة، وبين الإطعام والصوم من جهة أخرى، وظاهر الآية التخيير بين الخصال، فيكفي ذلك، وإن كان النسك بالشاة أولى.
وقوله يذبحها حيث شاء من البلاد»؛ فدية الأذى لا يتقيد فعلها بمكان، حتى ولو كانت نسكا بشاة، لأنها نسك وليست بهدي، فلذلك لم يروا في قول الله تعالى ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ حجة على لزوم ذبحه بها، إلا إذا قلدها أو أشعرها، فإنها تعطى حكم الهدي، فيلزم ذبحها بمنى إن أوقفها بعرفة، وإلا ذبحها بمكة، ولا يأكل منها بعد المحل لبراءة ذمته منها ببلوغها إياه، بخلاف ما إذا عطبت قبل، فإن له أن يأكل منها لأن عليه البدل، وقد بين مالك في الموطإ قوله في هذه المسألة فقال:«ما كان ذلك هديا؛ فلا يكون إلا بمكة، وما كان من ذلك نسكا؛ فهو يكون حيث أحب صاحب النسك».
وقد اتخذ أهل المذهب حديث كعب بن عجرة قاعدة في كل ما يرتكبه المحرم من المخالفات مما يترفه به أو يزيل أذى، فإن كان معذورا فعليه الفدية ولا إثم عليه، وإلا أثم مع الفدية، كما اتخذوا هدي التمتع وبدله وهو الصيام قاعدة في كل ما ترك من الواجبات، قال خليل:«وغير الفدية والصيد مرتب،،،».