للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى تقدمه على وقت الزوال في كثير من أيام العام فلا يبعد أن يقال بأنه بدعة، لأنه لا يؤذن لصلاة قبل وقتها غير الصبح، وحتى على مذهب أحمد وهو يرى أن وقت الجمعة قبل الزوال؛ فليس فيه هذا الفارق الطويل بين الأذانين، فتنبه.

واعلم أن هذا الأذان لا يفعل اليوم للغرض الذي من أجله أمر به عثمان ، وهو إخبار الناس بقرب الأذان الذي يكون بعد صعود الإمام على المنبر، بل لإخبارهم بالشروع في درس الجمعة الذي هو محدث آخر يواظب عليه، وهو مما تضار به الخطبة، فيدرك وقتها الناسَ وقد فتروا وملوا، فلا يقبلون بقلوبهم على الخطيب في وقت قد يكون هو ساعة الإجابة يوم الجمعة، وهي ساعة لا يسأل المؤمن ربه فيها شيئا إلا أعطاه إياه، ويفوت المصلين بسبب هذا الدرس كثير من فضائل الجمعة كالإكثار من النافلة، والصلاة يوم الجمعة منتصف النهار مستثناة من المنع، ومن ذلك الإكثار من الصلاة على النبي ، وقد أمرنا بذلك، ومنها قراءة سورة الكهف، ومنها الدعاء، وأنت تعلم بأن خطبة الجمعة يطلب تقصيرها، فكيف يضاف إليها هذا الدرس؟، وقد كانت خطبه كلمات قلائل طيبات، فكيف إذا كان المدرس ذا شهوة في الكلام؟، يطيل الدرس ويطيل الخطبة معا، ويقصر الصلاة خلاف المطلوب؟، وكيف إذا كان الدرس إلى اللغو أقرب منه للنافع من الحديث؟، فصار كالشيء المحتوم لا بد منه، يقوم به من حضر، على أن هذا الدرس ولو كان نافعا فيما يبدو للناس؛ فإن الذي نعقله من ديننا أن المخالفة لا يترتب عليها نفع، ولا يبارك الله فيها، وقد ترتب على المواظبة على هذا الدرس أن أصبح بعض الناس يرى وجوبه، ويلوم من تخلف عنه، ويسميه بعضهم الخطبة الأولى، وقواعد المذهب فيها ترك المستحب أحيانا إذا خشي أن يعتقد وجوبه، وقد مر بك تعليل ترك القبض في الصلاة، وكما قالوا في ترك الإمام تحية المسجد أحيانا وصوم الأيام الستة من شوال، وغير ذلك.

نقول هذا لو تركنا إلى عقولنا، فكيف إذا جاء عن نبينا ما يدل على ذلك، وهو ما رواه أبو داود (١٠٧٩) والترمذي وحسنه، وهذا لفظه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله أنه نهى عن تناشد الأشعار في المسجد، وعن البيع والاشتراء فيه، وأن يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة»، وخير الهدي هدي محمد .

<<  <  ج: ص:  >  >>