أعمرها، والرقبى جائزة لمن أرقبها»، قوله أُعمرها، مبني للمجهول، وكذلك قوله أُرقبها، وعن ابن عمر ﵄ قال، قال رسول الله ﷺ:«لا تُعمروا ولا تُرقبوا، من أُعمر شيئا أو أُرقبه فهو له حياته ومماته»، رواه أحمد والنسائي، والصواب إن شاء الله هو حمل النهي في الحديث عن العمرى والرقبى على ما تعارف عليه الناس مما يخالف ما جاء به الشرع، والفقرة الأخيرة في الحديث دالةٌ على ما قلت، وقوله «فهو له حياته ومماته»، يعني أنه لا يرجع إلى معطيه بعد ممات المعطى بل يورث، وروى مالك في الموطإ (١٤٣٧) ومن طريقه مسلم (١٦٢٥) عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله ﷺ قال: «أيما رجل أُعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يُعطاها لا ترجع للذي أعطاها أبدا، لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث»، وفقرة التعليل مدرجة من كلام أحد رواته وهو أبو سلمة.
فحصل من هذه النصوص أن الشرع صحح ما كان عليه أمر الجاهلية في العمرى من تمليك المنافع المؤقت بعمر المعطى، فجعله دائما ينتقل للورثة لكون التوقيت كالرجوع في الهبة، وقد تقدم النهي عنه، ولما يترتب على ذلك من الاضطراب والاختلاف في الميراث، قال الحافظ في الفتح (٥/ ٢٩٥): «فجاء الشرع بمراغمتهم فصحح العقد على نعت الهبة المحمودة، وأبطل الشرط المضاد لذلك، فإنه يشبه الرجوع في الهبة،،، فشرط الرجوع المقارن للعقد مثل الرجوع الطارئ بعده فنهى عن ذلك»، انتهى.
فإن قلت: لِمَ ذهب مالك إلى رجوع العمرى لصاحبها وقد روى حديث جابر وفيه تمليكها للمعمر؟، فالجواب: أنه اعتبر كعادته بما رواه بعد الحديث من الآثار من قول القاسم ابن محمد وقد سئل عن العمرى وما يقول الناس فيها؟، فقال:«ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا»، فكأنه والله أعلم اعتبر قول المعمِر للمعمَر:«هي لك مدة عمرك» كالشرط، ومن ذلك أنه روى عن نافع أن عبد الله بن عمر ورث من حفصة بنت عمر دارها، قال: وكانت حفصة قد أسكنت بنت زيد بن الخطاب ما عاشت، فلما توفيت بنت زيد قبض عبد الله بن عمر المسكن ورأى أنه له»، انتهى، فلهذا مع ما رأى من عمل أهل المدينة تأول الحديث على أنه في المنافع، وقال:«وعلى ذلك الأمر عندنا أن العمرى ترجع إلى الذي أَعمرها إذا لم يقل هي لك ولعقبك»، انتهى، ولينظر ما