قصروا السفر الذي يسوغ فيه الجمع على سفر البر وقوفا عند مجموع أوصاف الرخصة، بخلاف مسافر البحر فلا يجمع لأنه لا يحتاج إلى النزول، وعلى هذا فراكب الطائرة عندهم مثله، إلا أن يخاف خروج الوقت، وفي كل هذا نظر، ولا تكون رخصة الجمع في السفر المُحَرَّمِ ولا في السفر المكروه كقطع الطريق واللهو.
والتقييد بجد السير هو المشهور الذي في المدونة، والذي في المختصر عدم اشتراطه، وهو مقتضى السنة الفعلية كما في حديث معاذ الذي في الموطإ بلفظ أن النبي ﷺ«خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا»، وهذا لا يكون إلا وهو نازل، ولا يعارضه ما ثبت من فعله على خلاف ذلك، فإنها وقائع ذكرها رواتها كما حصلت، ومن ذلك ما ثبت عن ابن عمر أنه استغيث على بعض أهله فجد به السير فأخر المغرب حتى غاب الشفق ثم نزل فجمع بينهما، ثم أخبرهم أن رسول الله ﷺ كان يفعل ذلك إذا جد به السير»، هذا لفظ الترمذي وصححه، وهو عند الشيخين وغيرهما بمعناه.
وقد لاحظت تساهلا كبيرا في مسألة الجمع هذه يقع فيه بعض إخواننا الذين يرتادون المصطافات ومواضع الاستراحات، فيقضون الساعات الطوال يلهون ويمرحون، وقد يدرسون، لكنهم لا يصلون الصلاة في وقتها، وكأن الجمع في السفر سنة لا يحق لأحد مخالفتها، ثم هم ينكرون على من خالفها!!، وقد يخلط بعضهم بين قصر الصلاة في السفر وهو واجب أو سنة مؤكدة، وبين الجمع الذي هو رخصة، فالمطلوب أن تنزل الأحكام الشرعية منازلها، وأن نبتعد عن الجفاء والغلو فيها، والنبي ﷺ لم يكن يجمع دائمًا، فإنه لم يجمع في منًى، مع أنه أقام فيها يوم التروية وأيام التشريق في حجّته يقصر الصلاة ولا يجمع.