٥٧ - «والطواف المتصل به واجب وطواف الإفاضة آكد منه».
المراد طواف القدوم الذي يأتي به المحرم بحج مفردا ثم يسعى بعده، ولعله أشار بذلك إلى لزوم الاتصال بين هذا الطواف والسعي، وقد عدوه واجبا يجبر بالهدي، وتقدم الكلام عليه في الحج، فطواف القدوم واجب لأجل السعي إذ لا يكون إلا عقب طواف، هذا فهم الشيخ زروق لكلام المؤلف.
قلت: لو كان هذا هو الموجب لقيل فليؤخر السعي إلى ما بعد طواف الإفاضة، ومما قد يستدل به على عدم الوجوب أن المحرم من مكة لا طواف عليه، وأن المعتمر إنما يأتي بطواف واحد يكفيه لعمرته وللقدوم، وأن المراهق وهو الذي يخاف فوات الحج بخروج وقت الوقوف بعرفة، وكذا الحائض فهذان لا طواف عليهما ولا هدي، هذا قول أهل المذهب، ولازمه ما ذكرت لك، وهو مخالف للمعتاد فيمن فاته شيء من واجبات الحج، ومع هذا فالذي ينبغي أن يقال إن النبي ﷺ قد أحرم مفردا أو قارنا، ومع ذلك طاف وسعى عقبه، ثم طاف طواف الإفاضة، وليس الواجب على المفرد أو القارن إلا طوافا واحدا لنسكه، فمن اقتدى به فقد أصاب الحق ولا بد، مع أنه أحال على أفعاله في الحج بقوله لتأخذوا عني مناسككم، وأضاف بعضهم إلى هذا أنه ﷺ قد أمر به في الجملة، فعن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله ﷺ قال المشركون إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب، ولقوا منها شرا، فأطلع الله نبيه ﷺ على ذلك، فأمر أصحابه أن يرملوا وأن يمشوا ما بين الركنين»، قاله الغماري في مسالك الدلالة، وفي استدلاله بهذا على وجوب طواف القدوم ما لا يخفى، لأن الخلاف إنما هو قي طواف لم يكف عنه طواف العمرة، والحديث الذي ساقه فيه الطواف لأجل العمرة، فالعمدة فعل النبي ﷺ، مع كون أفعاله في الحج على الإيجاب حتى يأتي ما يدل على خلاف ذلك، والله أعلم.