٧٣ - «والتنفل بالركوع لأهل مكة أحب إلينا من الطواف والطواف للغرباء أحب إلينا من الركوع لقلة وجود ذلك لهم».
هذا مبناه على أن أهل مكة بحضرة الكعبة، فيطوفون بها متى شاءوا، فتكون الصلاة خيرا لهم من الطواف مراعاة للأصل، بخلاف غيرهم من أهل الآفاق فإنهم لا يطوفون إلا إذا جاؤوها، فيكون الطواف خيرا في حقهم، وفي هذا التعليل نظر.
وقال القرطبي:«قال مالك الطواف لأهل الأمصار أفضل، والصلاة لأهل مكة أفضل، وذكر عن ابن عباس وعطاء ومجاهد، والجمهور على أن الصلاة أفضل، ثم قال: «والأخبار في فضل الصلاة والسجود كثيرة تشهد لقول الجمهور»، انتهى، وقال الفاكهاني:«تعليله بقلة وجود ذلك للغرباء فيه نظر، لأن التنفل بالصلاة أفضل من التنفل بالطواف، ولذلك كانت الصلاة لأهل مكة أفضل من الطواف، وإذا كان ذلك فلا ينبغي أن يفرق بين الغرباء وأهل مكة، إذ المحافظة على الأفضل أولى من المحافظة على المفضول، ولاسيما على القول بمساواة النافلة للفريضة في الفضل»، انتهى.
قلت: ويمكن أن يقال اليوم إن الاكتفاء بالصلاة لترك المطاف للحجاج والمعتمرين في أوقات الزحام هو من التعاون على البر والتقوى، فيؤجر المرء على هذا القصد، أما الأصل فإن التنفل بالصلاة خير لأن الطهارة شرط فيها بالإجماع، والطواف مختلف في اشتراط ذلك فيه، ومنها حرمة الكلام فيها وبطلانها به، وجوازه في الطواف إذا كان خيرا.
واحتج بعضهم لتفضيل الطواف بما رواه لأزرقي في تاريخ مكة والبيهقي عن ابن عباس ﵄ قال، قال رسول الله ﷺ:«يُنْزِلُ الله كل يوم على حجاج بيته الحرام عشرين ومائة رحمة: ستين للطائفين، وأربعين للمصلين، وعشرين للناظرين»، وتقديم الصلاة على الطواف مطلقا منقول عن عطاء وسعيد بن جبير والحسن كما في مصنف عبد الرزاق.