أنفسهم للتلف في هذه الهجرة السرية من أجل لقمة العيش، وكأن بلاد المسلمين قد انقطع الرزق منها، ومن المحرم أن يؤجر نفسه لمن هو معروف بالغصب والسرقة، وكل إجارة يترتب عليها فعل محرم أو إعانة عليه فهي محرمة متى كان استعماله غالبا في الباطل كخياطة ثوب المرأة التي تتبرج به، وحلق اللحية، ونحو ذلك لقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (٢)﴾ [المائدة: ٢].
أما استئجار المسلم المشرك فالظاهر توقف جوازه على الحاجة إليه بحيث لا يوجد المسلم الذي يقوم بالعمل، وهو ظاهر صنيع البخاري حيث ترجم بقوله:«باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام»، انتهى، وقيل لعمر بن الخطاب ﵁ إن هاهنا غلاما من أهل الحيرة حافظ، كاتب، فلو اتخذته كاتبا، فقال:«قد اتخذت إذن بطانة من دون المؤمنين»، انتهى، وقد روي أن أبا موسى كتب إلى عمر في استعمال ذمي في الحساب فنهاه عن استعماله، فراجعه مرتين وذكر له ضياع الحساب إن لم يتوله الذمي، قكتب إليه عمر يقول:«مات الذمي، والسلام»، فصادف كتابه إلى أبي موسى موت الذمي، وجمهور أهل العلم يجيزون ذلك من ضرورة ومن غيرها، وقال ابن بطال بالنقل عن فتح الباري (٤/ ٥٥٩): «عامة الفقهاء يجيزون استئجارهم عند الضرورة وغيرها لما في ذلك من المذلة لهم، وإنما الممتنع أن يؤاجر المسلم نفسه من المشرك لما في ذلك من الإذلال للمُسْلِم، انتهى.
وقول المؤلف: «إذا ضربا لها أجلا وسميا الثمن»، أما الثمن فكما تقدم، إلا أن يكون هناك عرف دخلا عليه، كأجرة الحمامي وصاحب السيارة ونحوهما قال ابن رشد:«والمنع منه حرج في الدين وغلو فيه»، انتهى، وأما الأجل ففيه تفصيل، وهو أن ما كان من الأعمال له غاية كخياطة الثوب وبناء الدار ونحو ذلك فلا حاجة فيه إلى ضرب الأجل، فإن ضرب فلينظر، فإن كان أكثر من مدة العمل جاز، وإن كان أقل منها بطلت الإجارة، وإن كان مساويا ففيه نزاع، ولما كان الأجل في الإجارة مطلوبا على التفصيل المتقدم، وكان الجعل بخلاف ذلك نص عليه بقوله: