للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها الإيجاب كمن معه ما يستغني عنه وتوقفت نجاة غيره على إعارته إياه، وتكون حراما أو مكروهة كمن يعير شيئا لفعل معصية محرمة أو مكروهة، ومما جاء في ذم منع العارية أن الله تعالى جعل ذلك من جملة أوصاف المنافقين، قال الله تعالى: ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (٧)[الماعون: ٧]، وقد فسر ابن عباس وابن مسعود الماعون بالعواري، وفسره الأخير بأنه القِدْر والميزان والدلو.

ولا ضير على المرء في الاستعارة متى كان محتاجا إليها، فقد روى أحمد وأبو داود والنسائي عن صفوان بن أمية أن النبي استعار منه يوم حنين أَدْرُعًا فقال: «أَغَصْبٌ يا محمد؟، قال: «بل عارية مضمونة»، قال: فضاع بعضها فعرض عليه النبي أن يضمنها فقال: «أنا اليوم في الإسلام أرغب»، فرضي الله عن صفوان.

فأما ضمان العارية فإنه لما ائتمن المعير المستعير عليها كان الأصل عدم الضمان إلا لجناية أو تفريط في الحفظ أو تجاوز مدة الاستعارة أو التزام الضمان، وهو مدلول حديث صفوان المذكور من قوله : «بل عارية مضمونة»، فهذا ليس إخبارا عن حكم العارية من حيث هو بأنها مضمونة، بل هو التزام منه بالضمان، فعلى أن العارية حكمها أن تضمن يكون قوله مضمونة صفة كاشفة لحقيقة العارية، وعلى أنها لا تضمن تكون صفة مخصصة فيكون الأصل في العارية عدم الضمان، وقد جاء ذلك صريحا في حديث يعلى بن أمية قال، قال رسول الله : «إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعا»، قلت: «يا رسول الله أعارية مضمونة أو عارية مؤداة»؟، قال: «بل عارية مؤداة»، رواه أحمد وأبو داود (٣٥٦٦) والنسائي، ففيه الإضراب عن العارية المضمونة وهي التي تؤدى إن كانت وإلا فقيمتها، وأثبت كونها مؤداة أي يجب رد عينها إن كانت، وهذا يؤيد كون المراد من قول النبي في حديث صفوان المتقدم التزام الضمان لا أن العارية مضمونة بأصلها، وكما يكون الضمان بالاشتراط يكون بتطوع المستعير، وقد جاء في

<<  <  ج: ص:  >  >>