٤٥ - «والعارية مؤداة يضمن ما يغاب عليه ولا يضمن ما لا يغاب عليه من عبد أو دابة إلا أن يتعدى».
صور العطاء التي ينفع المؤمن بها غيره متعددة فقد يملكه العين أو الانتفاع أو المنفعة، وقد تقدم الكلام على الهبة والصدقة والوقف والعمرى، وتكلم هنا على العارية وهي بتشديد الياء اسم مصدر أعاره إعارة، وتطلق على الشيء المعار كما في كلام المؤلف، وعلى الفعل، وعليه جاء تعريفها بأنها «تمليك منفعة مؤقتة بغير عوض»، فغير العوض يخرج الإجارة، والتوقيت يخرج الحبس، لأنه على الدوام في الغالب، وتدخل العمرى والإخدام، والمنفعة يَخرج بها تمليك الانتفاع لأنها أعم منه، ومعنى تمليك الانتفاع هو أن يُقصر النفع على الشخص ذاته، ومثاله استعمال الموظف السيارة لكونه موظفا والإمام المسكن لكونه إماما، وقريب من هذا قصر الاستفادة من السجل التجاري على صاحبه، وبطاقة الضمان على من هي له، ووثيقة الإعفاء من الضريبة على أصحابها، وهذا التفريق ينبني عليه عندهم أن مالك المنفعة يجوز له أن يملكها لغيره بإعارة أو إجارة أو هبة مع الكراهة ما لم يمنعه المعير، أما مالك الانتفاع فلا يجوز له شيء من ذلك، قال خليل:«صح وندب إعارة مالك منفعة بلا حجر وإن مستعيرا لا مالك انتفاع من أهل التبرع عليه عينا لمنفعة مباحة»، انتهى.
والأصل في العارية الندب لأنها تدخل في فعل الخير، وقد أمر الله به في قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧)﴾ [الحج: ٧٧]، ويتأكد ذلك في القرابة والجيران والأصحاب، وقد يعرض