٩٩ - «وحرم الله سبحانه شرب الخمر قليلها وكثيرها، وشراب العرب يومئذ فضيخ التمر، وبَيَّنَ الرسول ﵇ أن كل ما أسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام».
تحريم شرب الخمر مما علم من دين الإسلام بالضرورة، لا فرق بين القليل والكثير في التحريم، فقد قال النبي ﷺ:«ما أسكر كثيره فقليله حرام»، رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن جابر، وقال أيضا:«ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام»، رواه أحمد عن عائشة، والفرق بفتح الراء ويجوز تسكينها مكيال يسع ستة عشر رطلا، وهي اثنا عشر مدا، أو ثلاثة آصع عند أهل الحجاز»، كذا في النهاية لابن الأثير، والمراد من ذكر الفرق الكثرة، فلا مفهوم له، وإنما ذكر ملء الكف لأنه الذي يشرب عادة بالاغتراف فلا مفهوم له أيضا، بل القطرة محرمة كذلك، والعموم الذي في قوله ﷺ «ما أسكر كثيره حجة على أن المحرم ليس خصوص ما تخمر من ماء العنب، بل يشمل كل ما كان كذلك، وهذا مذهب جمهور أهل العلم، فإن علة تحريم الخمر الإسكار، ولازم مذهب الحنفية أن عصير العنب محرم لذاته، وغيره لسكره، ولذا لم يمنعوا إلا ما أسكر منه، والعجب أن يأتي هذا الموقف من الذين برزوا في القياس ﵏، وفضيخ التمر هو ما يهرس منه ويجعل في إناء ويصب عليه الماء ويترك حتى يتخمر، وإنما نص المؤلف على ذلك ليرد على من قصر الخمر على عصير العنب، أما غيره فما لا يسكر منه لا يكون محرما، ومن أين يعرف حد المسكر والناس فيه متفاوتون؟، وقد تقدم بحث ذلك في كتاب الحدود، لكن ينبغي أن يعلم أن شراب العرب لم يكن مقصورا على عصير العنب المتخمر بل زاد على ذلك، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس قال: «كنت أسقي أبا عبيدة وأُبَيَّ بن كعب من فضيخ زهو وتمر فجاءهم آت فقال: «إن الخمر حرمت، فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأهرقها،