للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتهى، ومن المستبعد أن يضرب الناس على غير ما هم ملزمون به شرعا، ومن ذا الذي يجرؤ على فعل ذلك بهم والنبي بين أظهرهم لو لم يكن ذلك شرعا له؟، فالظاهر عدم الفرق في لزوم القبض بين الجزاف وغيره، وقد دل هذا الحديث على لزوم القبض بالأولى لأن الإيواء إلى الرحال يلزم منه القبض، ولا يلزم من القبض الإيواء إلى الرحال، كما دل النهي الوارد عن أن يبيع المرء ما لم يقبضه على النهي عن بيع ما ليس عنده من باب أولى، ولذلك ترجم البخاري بقوله: «باب بيع الطعام قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك»، وإنما أورد الدليل على الأول واستنبط الثاني من النهي عن الأول، قال الحافظ في الفتح (٤/ ٤٤٠): «ووجه الاستدلال منه بطريق الأولى»، انتهى.

واعلم أنه قد جاء عن مالك التسوية بين الجزاف وغيره في المنع من البيع قبل القبض، ذكر ذلك الشيخ على الصعيدي في حاشيته (٢/ ٤٦٧)، والذي في الكافي لابن عبد البر في باب بيع الجزاف نسبة ذلك لبعض المتأخرين من أصحاب مالك المصريين، ثم قال: «والاختيار عند مالك في ذلك ألا يبيعه حتى ينقله من مكانه إلى مكان غيره»، انتهى، وفي النوادر (٦/ ٣٨) قال مالك: «من اشترى نصف ثمرة جزافا، أو نصف صبرة فلا بأس ببيع ذلك قبل أن ينقل، وأحب إلي أن ينقل قبل البيع لحديث ابن عمر، ولا أراه حراما، وكذلك الصبرة يشتريها إلا أنها في ضمانه بالعقد، فقد استوفى، وعلى ذلك من أدركت»، انتهى، وقد علمت أن حديث ابن عمر الذي في الموطإ ليس فيه ذكر الجزاف، والمقصود أن هذا أولى أن يقال به لثبوت الدليل عليه، وكلام الباجي في المنتقى ((٤/ ٢٨٣) في توجيه حديث ابن عمر القاضي بالمنع من بيع الجزاف قبل إيوائه إلى الرحل فيه اضطراب.

وقول المصنف: «وكذلك كل طعام أو إدام أو شراب إلا الماء وحده»، يعني أن الحكم السابق يشمل كل طعام، وإنما كرره ليذكر الإدام والشراب، فإنهما يصدق عليهما اسم الطعام، وقد تقدم الكلام على استثناء الماء، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>