للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قوله:

٣٢ - «ولا يبني في قيء ولا حدث».

لما كان سيلان الدم ليس ناقضا للوضوء، وجاء في الآثار ما يدل على بناء من رعف؛ أخذ به أهل المذهب، ولم يقيسوا عليه القيء ولا الحدث، فإن كان القيء قليلا طاهرا استمر المصلي في صلاته، وإن كان كثيرا ولو طاهرا، أو كان نجسا ولو قليلا قطع صلاته.

أما الحدث فمبطل للوضوء، فتبطل الصلاة به لافتقاد الشرط، فلا يصح معه البناء، وقد احتجوا بقول النبي : «لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول»، وليس الاستدلال به ناهضا كما أشار إليه ابن عبد البر، لكنه قال: «قد أجمع العلماء على أن الراعف إذا تكلم لم يبن، فقضى إجماعهم بذلك على أن المحدث أحرى أن لا يبني، لأن الحدث إن لم يكن كالكلام في مباينته للصلاة كان أشد منه الكلامُ، وهذا أوضح لمن أراد الله هداه»، انتهى، قلت الكلام الذي نقل الاتفاق على عدم البناء معه؛ هو ما كان لغير إصلاح الصلاة، وما تعمده المتكلم، والحدث الذي قيل بالبناء معه هو غير المتعمد، بل المنسي أو الغالب، فافترق الأمران.

ومثل الحدث في عدم صحة البناء في المذهب من رأى في ثوبه أو جسده أو سقطت عليه نجاسة، فإن المشهور في كل ذلك البطلان، وقال أشهب يبني وهو الصواب إن شاء الله، والدليل على ما قاله في خصوص النجاسة؛ خلع النبي نعله حين أعلمه جبريل بأن فيها قذرا وقد تقدم، ومما قاله ابن العربي في العارضة تعليقا على حديث البراء الذي رواه الترمذي في تغيير القبلة قال: «وفيه دليل على أن من علم بفساد صلاته؛ صح ما مضى منها، كمن يصلي بثوب نجس».

أما البناء مع تذكر الحدث؛ فقد استدل له بما رواه أبو داود (٢٣٣) عن أبي بكرة «أن رسول الله دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده أن مكانَكم، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى

<<  <  ج: ص:  >  >>