الأقوال في العذرة فالزبل أدنى منها، قال في التحفة:
ونجس صفقته محظورة … ورخصوا في الزبل للضرورة
ومما لا يجوز بيعه عظم الميتة وجلدها ولو دبغ، وقد علمت في الجزء المتقدم أنه يطهر بالدبغ، وأنه رواية البغداديين عن مالك وهو الصواب، ومما يشترط في المبيع أن يكون منتفعا به، لأن تملك الشيء إنما يكون لأجل ذلك، فما لا نفع فيه لا وجه لبيعه، ولو قل الانتفاع كالتراب، والمراد الانتفاع الشرعي، فلا يجوز بيع آلات اللهو، ولا يجوز بيع محرم الأكل إذا أشرف على الموت، إذ لا نفع فيه حينئذ، بخلاف مباح الأكل المشرف فيجوز بيعه لإمكان تذكيته، أما لو كان في سياق الموت فلا يجوز لا هذا ولا الذي قبله.
وينبغي أن يكون الانتفاع مأذونا فيه، ولهذا لما جاء الإذن من الشرع بالانتفاع بجلد الميتة في قول النبي ﷺ:«هلا استمتعم بإهابها»، قالوا: إنها ميتة، فقال:«إنما حرم أكلها»، رواه البخاري (٢٢٢١)، وذلك حين مر بشاة ميتة، أقول لما جاء هذا الحديث أخذ بعض العلماء منه جواز بيع النجس المنتفع به لهذا المعنى، على قاعدة أن كل ما ينتفع به يصح بيعه، وما لا فلا، ومن هؤلاء الزهري وهو ظاهر صنيع البخاري رحمهما الله تعالى، ومن الحجة لهم في ذلك جواب النبي ﷺ حين أخبروه بقوله:» إنما حرم أكلها»، ويظهر والله أعلم أنه لا تلازم بين جواز الانتفاع وصحة البيع.
ولا بد من الوقوف عند هذا الشرط للحاجة إلى بيانه في هذا العصر حيث كثرت المبيعات من الأعيان والمنافع التي تستعمل فيما يحل وما يحرم، فاحتيج إلى بيان الأصل حتى يرجع إليه، فإذا نظر إلى المبيع باعتبار ما فيه من المنافع والمضار فهو أقسام أربعة، أولها:
ما لا منفعة فيه أصلا، أو ما فيه منفعة ألغاها الشرع بتحريمها كالخمر والقمار والخنزير والميتة وآلات اللهو والطرب، وهذان القسمان لا خلاف في كون بيعهما باطلا، بل لا يصح مجرد تملكهما، واختلف في نحو الخمر تملك لأجل تخليلها على القول بحلها بالتخليل.
والثالث ما كانت جميع منافعه حلالا، وهذا هو الذي أحله الله تعالى، وأجمع