جماعات الابتداع التي كانت السياسة تدعمها بهذا الأسلوب العلمي الهادئ الموادع الذي تستفيد منه طبقات المجتمع الواسعة.
ولعلّ من القرائن على هذه المجاهدة العلمية الهادئة أن ابن أبي زيد افتتح كتاب (الجامع) المذكور بباب هو (باب ذكر السنن التي خلافها البدع، وذكر الاقتداء والاتباع، وشيء من فضل الصحابة، ومجانبة أهل البدع)، وهو يقول فيه:«وأن أفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وقيل ثم عثمان وعلي، ونكف عن التفضيل بينهما»، ويقول عن الصحابة:«وكل من صحبه ولو ساعة أو رآه ولو مرة فهو بذلك أفضل من أفضل التابعين»، ويقول عن الخوارج:«ولا باس بقتال من دافعك من الخوارج واللصوص من المسلمين وأهل الذمة».
وقد عقد بعض المستشرقين مقارنة بين رسالة ابن أبي زيد وكتاب دعائم الإسلام للقاضي النعمان باعتبارهما نتاجا لفترة زمنية واحدة، وبلد واحد يصطرع فيه منهجان أو أكثر، أعني منهج السنة، والشيعة والخوارج، وتوصل افتراضا إلى أن بين الكتابين صلة الرد والمقاومة، وما ألمحت إليه من الكلام الذي جرى بين أحد شيوخ ابن أبي زيد والنعمان، وما رأيت من اتجاه المترجم له إلى خدمة السنة عن طريق العلم ينقل افتراض هذا المستشرق إلى الظن الراجح، وقد أشار إلى كلامه محقق كتاب الجامع في قسم الدراسة.
• ثانيا: ترجمة ابن أبي زيد
ترجم لهذا العالم في مصادر عديدة، منها العامة، ومنها الخاصة بأهل المذهب، وعلى رأسها المدارك للقاضي عياض، والديباج المذهب لابن فرحون، وشجرة النور الزكية لمحمد ابن محمد مخلوف، وتوسع في ترجمته محققا كتاب «غرر المقالة في شرح غريب الرسالة»، وقد انتقيت من المصادر والمراجع التي وصلتها يدي ما أثبته هنا.
فقلت: هو عبد الله أبو محمد بن أبي زيد، واسم أبي زيد عبد الرحمن، النفزاوي النسب، ونفزة مدينة بالجنوب التونسي، وقيل إنها نسبة لقبيلة نفزاوة في الأندلس، ولد سنة (٣١٠ هـ)، وتوفي سنة (٣٨٦ هـ)، كان يقيم بالقيروان، فتفقه بفقهاء بلده، وسمع من شيوخها، وفي مقدمتهم أبو بكر بن اللباد، وأبو الفضل عباس بن عيسى الممسي، وأخذ عن