يستحب في المذهب - وقيل يسن - للحاج والمعتمر وغيرهما ممن يريد مغادرة مكة ما لم يكن ممن يتردد عليها؛ أن يطوف طواف الوداع، بحيث يكون آخر عهده بالبيت، فإذا طال مكثه بعد فعله؛ أعاده، ومن تركه؛ فلا شيء عليه، ومرجع ذلك إلى ما رواه الشيخان وأبو داود (٢٠٠٢) عن ابن عباس قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله ﷺ:«لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت»، وفيه كما ترى النهي عن الخروج من مكة حتى يطوف طواف الصدور، والنهي عن الشيء أمر بضده، وقد جاء الحديث مصرحا فيه بالأمر كما رواه الشيخان (خ/ ١٧٥٥) عن ابن عباس قال: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض»، فاجتمع على طواف الوداع الأمر به، والنهي عن تركه، مع فعله ﷺ، ومن ذلك قوله في الحديث خفف، فإن التخفيف لا يكون غالبا إلا من واجب، فإنه في المستحب قائم بأصله، فيلزم أهل المذهب الذين بلغهم الحديث القول بوجوب طواف الوداع، ولكنهم لم يقولوا به، كما لم يقولوا بالوجوب على المشهور في المبيت بمزدلفة مع أنه إنما رخص في تركه للمعذور، وقد يستدل على استحبابه بعدم إلزام من تركه للعذر بما يجبر به من هدي أو غيره، مع أن بعض أعمال الحج من أفعال أو أقوال أو مناه قد ألزم تاركها المعذور بالهدي، ومن ذلك من حلق رأسه للعذر، فإن الله تعالى أوجب عليه الفدية.
واعلم أن أهل المذهب يرون أن طواف الوداع ليس من أعمال الحج، ولا من أعمال العمرة، وإنما شرع رعاية لحرمة البيت، فكما قالوا إن دخول مكة لا يكون بغير إحرام على ما تقدم؛ ذهبوا إلى إن طواف الوداع يطالب به كل من أراد الخروج من مكة، لا فرق بين معتمر وحاج وغيرهما، إلا من خرج للموضع القريب كالتنعيم، فإن خرج ليقيم