٢٢ - «ومن أيقن بالوضوء وشك في الحدث؛ ابتدأ الوضوء».
ذكر المؤلف هنا وفيما يليه مسائل ذكرها في باب الطهارة أولى.
فأقول: إنه اتفق المسلمون على أن الصلاة لا تصح بدون طهارة مستيقنة، فإذا شك هل توضأ أولا؟ فهو غير متطهر، لكنهم اختلفوا فيما إذا استيقن الطهارة، وشك في الحدث، فمذهب مالك المشهور وهو رواية ابن القاسم عنه أن الشك في الحدث ناقض للطهارة مطلقا، وفي رواية ابن نافع عنه لا ينقض مطلقا، وهو قول الجمهور، وفرق بعض أصحابه بين الشك داخل الصلاة فلا ينقض، وبين خارجها فينقض رعاية لما دل عليه الحديث الآتي، والذي يظهر أن التمسك بالأصل هو الحق، والأصل هنا الطهارة المستيقنة، واليقين لا يزول بالشك، وقد رجح القرافي مذهب مالك، وهو ترجيح قوي من حيث النظر، لكنه خالفه الأثر، قال:«ما ذهب إليه مالك راجح، لأنه احتاط للصلاة وهي مقصد، وألغى الشك في السبب المبرئ، وغيره احتاط للطهارة وهي وسيلة، وألغى الشك في الحدث الناقض لها، والاحتياط للمقاصد أولى من الاحتياط للوسائل» انتهى.
ودليل عدم انتقاض الطهارة بالشك؛ حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني أنه شكي إلى رسول الله ﷺ: الرجلُ الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة»؟، فقال:«لا ينفتل - أو لا ينصرف - حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا»، وهو في الصحيحين، وسنن أبي داود (١٧٦)، وهو في مسلم نحوه من حديث أبي هريرة، وقوله: يخيل إليه؛ من الخيال، أي يظن، وهو الظن اللغوي، الواقع في مقابل اليقين، وقوله: يجد الشيء؛ يعني يظن أنه خرج منه شيء، وينفتل هو ينصرف، أي يقطع الصلاة، والحديث حجة في عدم انتقاض الوضوء بالشك، وبعض أهل المذهب يعملون بالحديث في خصوص الصورة الوارد فيها، أما خارج الصلاة فالشك ناقض، ويعللون بأن الانصراف عن الصلاة إبطال لها، وقد نهينا عن ذلك.