للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣٤ - باب في البيوع وما شاكل البيوع]

حاجة الناس ماسة إلى التعاون لتحصيل المنافع، بل إن ذلك معروف عن كثير من الحيوانات، ولهذا يقع التناصر والتحالف ويقع التبايع والتبادل، فالإنسان مدني بطبعه كما قيل، محتاج إلى أن ينتفع بما عند غيره من الأعيان والمنافع فهو خادم لغيره، وغيره خادم له من غير أن يشعرا:

الناس للناس من بدو وحاضرة … بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

وسبيل انتقال الأملاك والمنافع إما محرم أو غيره، فالمحرم كالسرقة والغصب والقمار والربا، وغيره قسمان أولهما ما كان بعوض، والأصل فيه الاختيار، وقد يشرع إكراه المالك عليه كما في بعض صور الاحتكار والدَّيْن والإفلاس وعدم الإنفاق على من يلزم الإنفاق عليه، والثاني من وجهي انتقال الملك ما كان بغير عوض، وهو نوعان واجب وغير واجب، ويدخل في الأول الزكاة، والكفارات، والدية، وصَدُقات النساء، والإنفاق على الوالدين والزوجة والأولاد، والميراث، وغير الواجب كصدقة التطوع والهبة والهدية والصدقة والوقف والعارية والمنيحة والرقبى والعمرى.

ولما كان ما عدا البيع مما هو سبب في نقل الملك والمنفعة لا يفي بحاجات الناس على وجهها لأنه موكول إلى اختيار الفاعل وأريحيته، والنفوس يغلب عليها الشح، ولأن فيه المنة التي قد لا يتحملها بعض الناس شرع الله تعالى انتقال المنافع والأعيان بعوض، ولضبط ذلك كان لا بد من عقد ينتظم شرائط نقل الملك والمنفعة كي يتما على الوجه الذي يحقق للطرفين المصلحة ويجنبهما المفسدة، والمعقود عليه لا يخرج عن أن يكون مالا بمال، أو مالا بمنفعة، أو منفعة بمنفعة، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٢٩/ ١٨١): «العقود التي فيها نوع معاوضة وهي غالب معاملات بني آدم التي لا يقومون إلا بها سواء كانت مالا بمال، كالبيع، أو منفعة بمال كالإجارة، والجعالة، وقد يدخل في

<<  <  ج: ص:  >  >>