٣ - قوله:«واعلم أن خير القلوب أوعاها للخير، وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه، وأولى ما عني به الناصحون، ورغب في أجره الراغبون؛ إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين ليرسخ فيها، وتنبيههم على معالم الديانة وحدود الشريعة ليراضوا عليها، وما عليهم أن تعتقده من الدين قلوبهم، وتعمل به جوارحهم، فإنه روي أن تعليم الصغار كتاب الله يطفئ غضب الله، وأن تعليم الشيء في الصغر كالنقش في الحجر».
هذا كما قال ﵀، فإن من سبق الشر إلى نفسه احتاج إلى أمرين التخلية بالإقلاع عنه، والتطهر منه، وتصفية النفس من كدوراته، ثم تحليتها بتعلم الحق، وحمل النفس عليه للعمل به، وما أسرع النتن إلى الثوب الجديد إذا لبس على درن البدن، وتتفاوت عملية الانتقال بحسب التوغل في الباطل، ونوع الخلان والأصدقاء، والنفس تميل غالبا إلى ما سبق إليها، ولهذا كان تعليم الولدان مقدما لنجاعته غالبا، ولا سيما مع كثرة ما يشغل، وقد قيل:
ومن منح الجهال علما أضاعه … ومن منع المستوجبين فقد ظلم
وقد عاد المؤلف إلى الحديث عن تعليم الأطفال في سن مبكرة لأهميته عنده، وشدة اهتمامه به، وكلامه واضح، وقوله (عُنيَ) هو من الأفعال اللازمة للبناء لما لم يسم فاعله، يقال عُنيت بحاجتك أُعنى بها عناية إذا اهتممت بها، والمعالم جمع معلم، وأصله الأثر يستدل به على الطريق، والمراد هنا الأمور البارزة في الدين كأركان الإسلام الخمسة، والمعلوم من الدين بالضرورة، وقد جاء في بعض روايات حديث جبريل الذي رواه مسلم عن عمر بن الخطاب في بيان أقسام الدين الثلاثة عند ابن ماجه: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم