للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيامة بلجام من نار»، فهذا في الكاتم الذي لم يسأل، فكيف بمن سئل؟.

نعم قد يتفاوت أمر العلم المطلوب إذاعته، وقد يسكت العالم عن الشيء لمصلحة يراها، أو يترك شيئا ليقوم بما هو أهم منه، فهذه مقاصد قد تشفع له، أما الكتمان لا لشيء فلا، وقد ورد فيمن سئل قوله : «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار» (١)، وهذه منزلة أخف من الأولى، لكن إذاعة العلم لا مانع أن تقيد بما إذا لم يخش المرء على نفسه ما لا قبل له به، أو اتضح له عدم حاجة السائل إلى ما سأل عنه، أو ظهر تعنته في سؤاله، كما يتقيد بما إذا لم يكن ثمة غيره ممن يكفيه، وما سئله المصنف ليس من هذا القبيل، بل هو من المستحبات والفضائل، أو من فروض الكفايات، وقد كان المتقدمون كثيرا ما يقترحون على أهل العلم أن يؤلفوا في موضوع يرون الحاجة ماسة إليه، فيستجيبون، ورسالة ابن أبي زيد يبدو أن الحاجة كانت ماسة إليها، كما تقدم في بيان المحيط الذي كتبت فيه.

وطلب العلم وبثه لا ينبغي أن يكون إلا لوجه الله تعالى، فقد قال رسول الله : «من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» (٢)، أي ريحها، والعرف بفتح العين.

بل إن الخلط في طلب العلم بين الدنيا والآخرة مما يذم، فكيف إذا كان خالصا للدنيا، وقد قال الشوكاني :

وطالب الدنيا بعلم الدين أي بائس … كمن غدا لنعله يمسح بالقلانس!!


(١) رواه الترمذي (٢٦٤٩)، وابن ماجه (٢٦٤)، وباقي أصحاب السنن الأربعة.
(٢) رواه أبو داود (٣٦٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>