١٥ - «ولا يتناجى اثنان دون واحد وكذلك جماعة إذا أبقوا واحدا منهم، وقد قيل لا ينبغي ذلك إلا بإذنه، وذكر الهجرة قد تقدم في باب قبل هذا».
التناجي هو المسارة بالكلام ليخفى عن الغير، وهو من النجو الذي هو الموضع المستتر ينجو من يأوي إليه، ومعظم تناجي الناس لا خير فيه، لأن الكلام النافع المفيد لا يحتاج قائله إلى إخفائه غالبا، بخلاف المكر والكيد والنميمة والغيبة والتخبيب فإن الناس لا يجهرون بها قال الله تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١١٤)﴾
[النساء: ١١٤].
ولذلك أباحه الله تعالى مقيدا في قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩)﴾ [المجادلة: ٩]، وقد روى مالك والشيخان عن ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال:«إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث»، وقال النبي ﷺ:«إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس أجلَ أن ذلك يحزنه»، رواه الشيخان والترمذي وابن ماجة عن ابن مسعود ﵁، قوله «أجلَ» هو منصوب مفعول لأجله بنزع الخافض، أي من أجل، وعند الترمذي:«فإن ذلك يحزنه»، وفي رواية أخرى له:«فإن ذلك يؤذي المؤمن، والله يكره أذى المؤمن»، ومن ذلك أن يظن أن الحديث يتعلق به، أو أنهم رأوا أنه ليس أهلا لأن يشركوه فيه، والحكم كذلك إذا كانوا أكثر من ثلاثة فتناجوا إلا واحدا لوجود العلة، بل ربما كان الأمر أشد، أما إن كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس أن يتناجى اثنان، وقد روى مالك عن عبد الله بن دينار قال: كنت أنا وعبد الله بن عمر عند دار خالد بن عقبة التي بالسوق، فجاء رجل يريد أن يناجيه، وليس مع عبد الله بن عمر أحد غيري وغير الرجل الذي يريد أن يناجيه،