للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قوله:

٩٧ - «وإن لم يتم أحدهم الصفة حُدَّ الثلاثة الذين أتموها».

يعني أنه إذا قال بعض الشهود رأيناه يفعل على الوصف المتقدم، وقال بعضهم رأيناه بين فخذيها مَثَلاً حُدَّ الذين ذكروا الوصف اللازم لإقامة حد الزنى حد القذف، لأن العدد حينئذ لم يكتمل، فلو شهد بالوصف اللازم ثلاثة، وقال الرابع بخلافهم حُدُّوا حُدَّ القذف دونه، لكنهم قالوا إن من لم يحد يعاقب باجتهاد الإمام، وهذا يبين لك ما أحاط الشرع به ثبوت الزنى على المرء من القيود حتى لا يكاد يثبت بغير الإقرار والحمل.

ولنذكر هنا القصة المعروفة عن عمر بن الخطاب في الشهادة على المغيرة بن شعبة بالزنا، فقد شهد عنده ثلاثة على المغيرة بن شعبة بالوصف المطلوب لإقامة الحد عليه، وهم أبو بكرة، ونافع بن الحارث بن كلدة، وشبل بن معبد، ولم يشهد زياد كما شهدوا، رآه عمر قال: «أرى شابا حسنا، وأرجو أن لا يفضح الله على لسانه رجلا من أصحاب محمد »، فقال: «يا أمير المؤمنين رأيت استا تنبو، ونَفَسا يعلو، ورأيت رجليها فوق عنقه كأنهما أذنا حمار، ولا أدري ما وراء ذلك»، فقال عمر: «الله أكبر»، وأمر بالثلاثة فَحُدُّوا، رواه الحاكم والبيهقي وأبو نعيم، وقد أكذب كل من نافع ابن الحارث وشبل بن معبد أنفسهما فكانت شهادتهما تقبل، وأبى أبو بكرة أن يكذب نفسه فيما رآه، فقال له عمر: «تب تقبل شهادتك»، فقال له: «إنما تسلبني لتقبل شهادتي»، قال: «أجل»، قال: «لا جرم، إني لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا»، ومذهب عمر أن من لم يكذب نفسه لا تقبل شهادته، ومذهب مالك وبعض أهل العلم أن التوبة هنا كغيرها هي الصلاح وحسن الحال، وإن لم يرجع على نفسه بالتكذيب، وهذا هو الحق، فإن في تكذيب المرء نفسه إشكالا من حيث الظاهر، لأن قوله بعد لم أر وهو يعلم أنه رأى كذب، وقد استُوفي حق

<<  <  ج: ص:  >  >>