وورد من قوله ﷺ الأمر بالاستنشاق والاستنثار في الموطإ (٣٢) والصحيحين وسنن أبي داود (١٤٠) من حديث أبي هريرة: «إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء، ثم لينثر»، وهذا أمر لا صارف له إلى الندب في الظاهر، إلا أن يقال الصارف ما جاء في الحديث من قوله ﷺ:«توضأ كما أمرك الله»، فيقال من أمر الله المضمضة والاستنشاق، لأن الأنف والفم من الوجه، وقد أمر الله بغسله، او لأن أمر رسول الله ﷺ هو أمر الله، لأن طاعته من طاعته، وفي حديث ابن عباس قال، قال رسول الله ﷺ:«استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا»، رواه أبو داود (١٤١)، وقد حسن الحافظ إسناده في الفتح، ومن ذلك أمره بالمبالغة في الاستنشاق، كما جاء ذلك في حديث لقيط بن صبرة الطويل عند أبي داود (١٤٢)، وفيه قوله ﷺ:«وبالغ في الاستنثاق إلا أن تكون صائما»، صححه النووي في شرح مسلم، وقال الترمذي حسن صحيح، وهذا قدر زائد على مطلق الاستنثاق، كما جاء أمره ﷺ بالمضمضة في بعض روايات حديث لقيط بن صبرة عند أبي داود (١٤٤)، إذ قال:«إذا توضأت فمضمض»، وفي الموطإ (٣٢) من حديث أبي هريرة مرفوعا: «إذا توضأ أحدكم؛ فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر، ومن استجمر فليوتر».
وفرائض الوضوء في المذهب سبعة، أربعة منها مذكورة في القرآن، والخامس النية، والسادس الدلك، والسابع الموالاة، وتسمى أيضا الفور، ومعناه عدم التفريق بين غسل الأعضاء بفارق طويل، وضابطه أن تجف في زمن وحال معتدلين، والفور عندهم مطلوب فيما يتوقف الاعتداد به على آخره كالطواف والسعي والصلاة والوضوء والغسل وقد نصر ابن تيمية ﵀ مذهب مالك عن مجموع الفتاوى (٢١/ ٣٢٥)، وقد ذكر المؤلف الأعضاء التي غسلها سنة، وبين أن ما لم يذكره فريضة.
وقد علمت أن الترتيب بين الفرائض سنة في مشهور المذهب، وهو واجب في رواية المدنيين وعلي بن زياد، لكن المطلوب البدء بما بدأ الله به، ووفقا لبيان رسوله ﷺ وهذا كان غالب وضوئه، وفي ترتيب غسل أعضاء الوضوء واتصال غسل بعضها بعض؛ حكمة بينة، فإن اليدين لما كانت مباشرة الأعمال بهما، وذلك قد يفضي إلى اتساخهما؛ كان البدء بهما، حتى يسلم الماء المتوضأ به من الاتساخ، على أن مشروعية غسلهما بإطلاق يبدو أنها