١٠٥ - «ولا ينقد في كراء أرض غير مأمونة فبل أن تروى».
بيان ما ذكره المؤلف هنا أن الأرض إذا اكتريت للزراعة فإما أن تكون مأمونة الري أو لا، فإن كانت مأمونة الري جاز أن يؤخذ عوض تأجيرها قبل زرعها، وإن لم تكن مأمونة الري فلا يجوز تقديم عوض الإيجار على زرعها لأنها إن لم يمكن ريها لزم رد ثمن الإيجار، وإن أرويت فقد مضت الصفقة، فمنع تقديم مبلغ الإيجار للتردد بين كونه سلفا تارة وثمنا أخرى كما مر في بيع الخيار والبيع على الصفة وغيرهما.
وقد جاء من الأدلة ما أخذ منه بعض أهل العلم منع كراء الأرض الزراعية، وهي من المسائل التي اضطربت فيها أقوال أهل العلم اضطرابا كثيرا، فمنهم من منع كراء الأرض مطلقا، ومنهم من منع كراءها بالطعام أو بما يخرج منها، وهو المذهب، ومن أدلة المانعين قول النبي ﷺ:«من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه، ولا يكرها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمى»، رواه أحمد وأبو داود والبيهقي عن رافع بن خديج، ومعنى قوله «ليزرعها أخاه» أي لبمنحها له كما في حديث الشيخين وغيرهما عن جابر وأبي هريرة مرفوعا: «من كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها، فليمنحها أخاه المسلم، ولا يؤاجرها، فإن لم يفعل فليمسك أرضه»، ومن ذلك ما رواه مسلم عن سالم بن عبد الله قال: لقي عبد الله ابن عمر رافع بن خديج فسأله فقال: سمعت عَمَيَّ- وكانا قد شهدا بدرا - يحدثان أن رسول الله ﷺ نهى عن كراء الأرض»، وفي الحديث أن ابن عمر ترك كراء الأرض.
وجاء أيضا ما يدل على جواز كرائها، فمن ذلك ما رواه مسلم عن حنظلة بن قيس قال: سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والفضة، قال: لا بأس به، إنما كان الناس على عهد رسول الله ﷺ يؤاجرون على الماذيانات وأَقبال الجداول وأشياء من