«اذبح ولا حرج»، فجاء آخر فقال:«لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي»، فقال:«ارم ولا حرج»، فما سئل عن شيء قدم ولا أخر؛ إلا قال «افعل ولا حرج»، والشعور هنا هو العلم، ويدخل فيه النسيان لأن العلم حال النسيان محجوب عن المرء، ولهذا فالظاهر عدم دخول العامد في رفع الحرج، الذي يعني الاعتداد بالفعل مع عدم ترتب شيء على المخالفة، لأن في تعميم ترك الترتيب من اختلال أعمال الحج ما فيه من انخرام نظامه.
فإن قيل: إن قوله ﷺ: «افعل ولا حرج»؛ يدل على جواز ذلك في المستقبل، وقد لا يكون نسيانا ولا جهلا، فكأنه استثناء من قاعدة لتأخذوا عني مناسككم؛ فالجواب: أن حمله على معنى إتمام ما بقي على السائل من غير عود إلى فعل ما لم يرتبه؛ أولى من حمله على تعمد عدم ترتيب ما بقي مما شأنه الترتيب ممن كان عالما به، فكأنه ﷺ قال للسائل افعل ما بقي عليك مما كان مرتبا ولم ترتبه، وذلك بين إن شاء الله.
وجمرة العقبة هي الجمرة الأخيرة مما يلي نهاية منى إلى جهة مكة، وسميت الجمرات كذلك باسم ما يرمى فيها، فإن الجمار هي الحجارة، ويبتدئ وقت رمي جمرة العقبة من طلوع الفجر، وينتهي بغروب الشمس، فهذا وقت الأداء، والليالي والأيام الموالية لزمن أداء جمرة العقبة وغيرها كلها قضاء، تتنهي بغروب شمس اليوم الرابع، فمتى غربت شمسه فلا خلاف في لزوم الهدي، أما من فاته وقت الأداء وانتهاؤه في كل يوم بغروب الشمس فقد اختلف في وجوب الهدي عليه، والمشهور الوجوب.
ومع أن وقت رمي جمرة العقبة يبتدئ من طلوع الفجر؛ إلا أنه يندب أن لا يرمي حتى تطلع الشمس، لكن جاء في حديث ابن عباس ﵄ قال:«بعثني رسول الله ﷺ في ثَقَل من جمع بليل، وقال: «لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس»، لفظ الترمذي (٨٩٣)، وصححه، وحسنه الحافظ في الفتح (٣/ ٦٦٧)، وانظر سنن أبي داود (١٩٤١)، والثقَل بفتح الثاء والقاف هو حشم المسافر ومتاعه، والنهي كما ترى موجه إلى من كانوا مع ابن عباس من النساء والضعفة، وقد حمله الجمهور على خلاف الأولى اعتبارا بترخيصه ﷺ للضعفة بالإفاضة من مزدلفة بالليل، وما جاء من رميهم كما في حديث ابن عمر وعائشة الصحيحين، لكن يقال لا يلزم من الترخيص بعدم المبيت تقديم الرمي، فكيف إذا نهوا عن