عمر أبا بكرة ﵄ أن يكذب نفسه كي تقبل شهادته لأن ذلك كان مذهبه، وإباء أبي بكرة ذلك لكونه كان مستيقنا لما شهد به.
ويشترط في الشهود الأربعة أن يكونوا رجالا أحرارا عدولا وأن يروا ذكر الزاني في فرج المرأة كالمرود في المكحلة، وأن يشهدوا في وقت واحد، فأما كونهم رجالا فلأن النص جاء بأربعة شهداء، وجعل المرأتين بدل الرجل يجعلهم ستة أو ثمانية، وهو خلاف النص، وقد جاء تعويض الرجل بامرأتين في الأموال فيقتصر عليه، وعن الزهري قال:«مضت السنة من رسول الله ﷺ والخليفتين بعده أن لا تقبل شهادة النساء في الحدود»، وهذا وإن قاله تابعي فليس موقوفا، بل له حكم الرفع غير أنه مرسل، وانظر من رواه وقد ذكره صاحب نفسير المنار، واحتجوا على كونهم أحرارا بقوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ (٢٨٢)﴾ [البقرة: ٢٨٢]، قالوا العبيد ليسوا من رجالنا وفيه نظر، فإن اللفظ يتناولهم، لكن المانعين غلبوا نقص الرق، والمجيزين غلبوا اللفظ، وهذا هو الحق، واحتج القرطبي بأن الآية في الذين تصح منهم المداينة والعبيد لا يستقلون بذلك، ولأن الله تعالى قال: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾، والعبيد مستغرقون في خدمة السادة فأنى لهم إباء الاستجابة لأداء الشهادة؟، فيؤدي ذلك إلى ضياع الحقوق، وأما أنه يشترط أن يروا الفعلة كما تقدم وصفها فلأن النبي ﷺ لم يكتف من ماعز بالإقرار بالزنى حتى ذكر الإيلاج نفسه، فإنه إذا كان هذا في إقرار المرء على نفسه فكيف بشهادة غيره عليه؟، وأما اشتراط شهادتهم في وقت واحد، فمعناه أن يتحد وقت أدائهم الشهادة ووقت رؤيتهم الفعلة، وينبغي أن يتحد مكان الرؤية وأن تتحد شهادتهم على مطاوعة المرأة أو كونها مكرهة، وينبغي أن يفرقوا عند أداء الشهادة، ومما قالوه هنا أنه يجوز لكل واحد من شهود الزنى أن ينظر إلى العورة قصدا ليعلم كيف تؤدى الشهادة، وهذا يدخل فيما يعرف عند المعاصرين بتمثيل الجريمة لكنه في مثل ما نحن فيه لا حاجة إليه، ومتى علم كذب المقر أو الشهود لم يعمل عليهما، ومثلوا له بما إذا كانت المقرة أو المشهود عليها عذراء، وهي التي لم تفتض بكارتها، وأنا أعلم امرأة حملت ولم تفتض بكارتها، أو رتقاء، وهي التي التصق ختانها فلا يحصل الإيلاج فيها، ومن ذلك أن يكون الرجل المشهود عليه مجبوبا والله أعلم.