اكتفى الشرع بالأيمان وحدها في اللعان والقسامة على ما تقدم، أما الشهادة فأقسام عدة، منها ما كان منها على الزنا واللواط، وهو أربعة شهداء، وما كان في الحدود والقصاص والنكاح والطلاق، وهو شاهدان، وقد تقدم هذان القسمان، وأشار هنا إلى النوع الثالث، وهو القضاء بالشاهد واليمين عند عدم وجود شاهدين، وذلك في الأموال بخاصة، وسيذكر شهادة النساء والصبيان.
ودليل القضاء بالشاهد واليمين حديث ابن عباس ﵄ أن رسول الله ﷺ قضى بيمين وشاهد»، رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة، وروى مالك في الموطإ (١٤٠٤) عن جعفر ابن محمد عن أبيه أن رسول الله ﷺ قضى باليمين مع الشاهد»، وهو مرسل، وقد وصله غير مالك عن جابر، وأورد مالك عقبه أثرا عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عامله بالكوفة وهو عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أن اقض باليمين مع الشاهد، وذكر مثله بلاغا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار.
وحديث القضاء بالشاهد واليمين رواه عدد من الصحابة يبلغ التواتر، وعورض بمفهوم قوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وبمفهوم قوله ﷺ:«شاهداك أو يمينه»، والمفهوم لا يقاوم المنطوق، وقد أطال مالك القول في هذا الباب من الموطإ ورد على المخالفين بالأثر والنظر، قال ابن العربي:«ما أطنب مالك في مسألة كإطنابه في هذه المسألة، فلقد سلك فيها طريق الجدال وكَثَّرَ الأسئلة والأجوبة، وأفاض في ضرب الأمثال، والتفريق بين مثال ومثال، وتحقيق الفرق بين الأصل والتوابع، وظهر له في ذلك علم عظيم من الأصول والأحكام بما يتفقه به جميع الطوائف»، انتهى.
قلت: ابن العربي ﵀ ممن يرى أن مالكا قد ضمن موطأه الأصول التي اعتمدها في الاستنباط، نص على ذلك في مقدمة القبس، ووعد ببيانه في مظانه من الموطإ، وقد وفى