تنفع العبادة صاحبها، لكنه أهون مما إذا صرف ذلك لغير الله فإنه الشرك به سبحانه.
المقصود بالعبادات خدمة التوحيد في نفس العابد، وتذكيره به، وترسيخه في نفسه، ولهذا كانت النية شرطا في صحتها، نية العبادة الخاصة، ونية التقرب إلى الله، وهي النية العامة، على خلاف في اشتراطها، ثم وسع الشرع الأمر إلى سائر الأعمال غير المفتقرة في صحتها إلى النية، فجعل الثواب عليها متوقفا عليها، فيتأتى أن يكون المسلم عابدا لله بكل عمل مشروع يأتيه.
وقد اتضح بهذا أن المرء إذا صرف هذا الشعور الذي هو أصل العبادة وروحها لغير الله تعالى فإنه لم يعبده، أو قل لم يوحده، ولو كان يصلي ويصوم ويفعل سائر الطاعات، وهذا كثير في الأمة، وهكذا لو صرف لغير الله شيئا من الأعمال الظاهرة التي لا تكون إلا له كالذبح والنذر والسجود والاستغاثة والاستعانة والإقسام بغيره، ومن الباطل أن يقال إن فلانا يصلي ويصوم ويحج، ويأتي من أعمال البر كذا وكذا، فكيف يقال إنه يفعل ما يناقض التوحيد؟، إنه لا بد مع فعل الطاعات أن لا يصرف شيئا من تلك الأعمال الباطنة لغير الله تعالى، ولهذا جاء في غير آية الأمر بعباده الله مقرونا بالنهي عن الإشراك به، ما تقول في شخص صرف تلك المعاني الباطنة لغير الله تعالى، ومنها اعتقاده أن فلانا ينفع أو يضر، وقد يقف عند ضريحه مرتجفا خائفا، لكنه يصلي صلاة خالية من هذا الشعور، ويحج ويعتمر وينفق، ألا يكون قد عبد غير الله تعالى بأعظم مما عبد به الله؟، ولا يقال في مثل هذا إنه قد أشرك بالله فحسب، فإن الإشراك بالله يتم بأقل من هذا بكثير، قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣)﴾ [البقرة: ٢٠٣]، وقال تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: ٣٧].
• أقسام التوحيد:
إفراد الله تعالى بالعبادة هو توحيد الألوهية، وهو أحد أقسام التوحيد الثلاثة التي أخذت بالاستقراء من الكتاب والسنة، وأخذ اثنان منها باللزوم لمعنى الإله كما تقدم، وثانيها توحيد الربوبية، وثالثها توحيد الأسماء والصفات.