الجهاد ملحق بالعبادات، وقد بين الشيخ زروق ﵀ وجه ذلك في شرحه على الرسالة فقال:«وقد جرت عادة المالكية بإلحاقه بالعبادات، اعتبارا بقصد الجهاد، ولأنه نصرة لدين الله، وطلب إعلاء كلمته، وإعانة على الدخول في الإسلام، وجعله الشافعية في باب الجناية، اعتبارا بأنه جناية على الكافر لأجل كفره»، انتهى.
قال ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة (٢/ ١٠): «وأما الجهاد فناهيك به من عبادة، هي سنام العبادات وذروتها، وهو المحك والدليل المفرق بين المحب والمدعي، فالمحب قد بذل مهجته وماله لربه وإلهه، متقربا إليه بأعز ما بحضرته، يود لو أن له بكل شعرة نفسا يبذلها في حبه ومرضاته، ويود أن لو قتل فيه ثم أحيي، ثم قتل، فهو يفدي بنفسه حبيبه وعبده ورسوله، ولسان حاله يقول:
يفديك بالنفس صب لو يكون له … أعز من نفسه شيء فداك به»
والجهاد في اللغة من الجهد بفتح الجيم، وهو التعب والمشقة، وعرفوه بأنه:«قتال مسلم كافرا غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله، أو حضوره له، أو دخوله أرضه له»، فقوله غير ذي عهد؛ يخرج الذمي إذا لم يكن قتاله عاما كأن كان للذب عن نفسه، وهكذا إذا كان حرابة، فإنه ليس نقضا لعهده على المشهور، وقيد «لإعلاء كلمة الله» يخرج من قاتل لأجل الغنيمة وحدها، أو لإظهار الشجاعة، فضلا عمن قاتل رياء، قالوا ولا يستحق الغنيمة متى جاهر بذلك، ولا يجوز له أخذها إذا أعطيت له، فالقصد إلى إعلاء كلمة الله بعد التزام قواعد الشرع في الجهاد؛ أهم ما يدرك المرء به وصف المجاهد عند الله، فينال ما وعد الله به من جاهد في سبيله، وفي حديث أبي موسى أن رجلا جاء إلى النبي ﷺ فقال:«الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله»؟، قال النبي ﷺ:«من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا؛ فهو في سبيل الله»، رواه الشيخان (خ/ ٧٤٥٨)، وأبو داود