للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب ماله إليه بيرحاء مستقبلة المسجد، وكان النبي يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس فلما نزلت: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (٩٢)[آل عمران: ٩٢]، قام أبو طلحة فقال: «يا رسول الله إن الله يقول: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها حيث أراك الله، فقال: «بخ، ذاك مال رابح»، وقد سمعتُ ما قلتَ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، قال أبو طلحة: أفعل ذلك يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه»، لكن هذا ليس في خصوص الحبس، بل في الصدقة، إذ الظاهر أنه ملكهم رقبتها لا منفعتها، وفي الحديثين حرص الصحابيين على الإنفاق من أحسن أموالهما اتباعا لأمر الله تعالى، بل إنفاق الأحسن، ويدل على ذلك قول رسول الله : «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، رواه مسلم والأربعة غير ابن ماجة عن أبي هريرة، وقال : «سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من علم علما أو أجرى نهرا أو حفر بئرا أو غرس نخلا أو بنى مسجدا أو ورث مصحفا أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته»، رواه البزار عن أنس، وهو في الصحيحة برقم (٣٦٠٢)، والصدقة الجارية هي الحبس، لأن رقبتها باقية لا تنتقل ملكيتها لأحد، فبذلك تكون جارية، فليس قوله جارية بالصفة الكاشفة، بل هي مخصصة، وقال الترمذي: «لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين خلافا في جواز وقف الأرضين»، انتهى.

وأركان الوقف أربعة، الأول: الواقف، وشرطه أن يكون من أهل التبرع وهو المكلف الرشيد المالك للمتبرع به، فيدخل المريض والزوجة في الثلث.

والثاني: الموقوف عليه، وشرطه أن يكون محتاجا إلى الموقوف ولو للصرف في مصالحه، وأن يكون أهلا للتملك حِسًّا كالآدمي، وحُكْمًا كالمسجد، ولا فرق عندهم بين المسلم والكافر الذمي في جواز الوقف عليه، قريبا كان أو أجنبيا، فإن كان الوقوف عليه فردا فيشترط قبوله، وإن كان جهة كالمسجد والفقراء وطلاب العلم وسائر المرافق

<<  <  ج: ص:  >  >>