«وقد فرض الله سبحانه على القلب عملا من الاعتقادات، وعلى الجوارح الظاهرة عملا من الطاعات»، أدخل القول ضمن العمل لأن اللسان من الجوارح الظاهرة، ولكل مقام مقال.
ولذلك فلا وجه لما قالوه: إن في كلامه تخالفا، أو أنه في موضعين فقط جرى على مذهب السلف، وكأنه في غيرهما جرى على غير منهجهم، ولا ما قيل في الجواب عنه: إنه في أول الباب كان بصدد بيان أصل الإيمان، وفي غيره كان يبين الإيمان الكامل، كما في الفواكه الدواني للشيخ أحمد بن غنيم النفراوي:(١/ ٣٠)، وكفاية الطالب الرباني للشيخ أبي الحسن، مع حاشية الشيخ علي الصعيدي العدوي:(١/ ٢٣)، ومن تدبر كلامه كله فهم مراده، ولم يحتج إلى الاعتذار عنه.
ولا إشكال في ذكره العمل بما في الكتب كلها، فإن الإيمان يجب بجميع الرسل، ومن عمل بما جاء به نبينا محمد ﷺ فكأنما عمل بما جاءوا به، لأن من جملة ما أوحي إليهم ما أخذ عليهم من الميثاق بتصديق كل ماجاء به الرسل من بعدهم، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ [آل عمران: ٨١]، ومن كذّب واحدا منهم فكأنما كذّبهم جميعا، ولذلك أسند تكذيب الرسل لمن كذّب واحدا منهم، قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣)﴾ [الشعراء: ١٢٣]، وقال: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠)﴾ [الشعراء: ١٦٠]، وقال تعالى: ﴿فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ [سبإ: ٤٥].
وقوله:«وتعلموا ما علمهم، ووقفوا عند ما حد لهم، واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهم»، وهذا فيه زيادة إيضاح وتأكيد لما تقدم، فإن من عمل بما جاءت به الرسل والكتب؛ لا بد أن يقف عند ما حد له من الأحكام، فيفعل الواجبات والمندوبات، وينتفع بالمباحات، ويجتنب المحرمات والمكروهات، ويستغني بالحلال عن الحرام.
وهذا دأب المؤمنين يعرفون دينهم، كل بحسب ما هو مطلوب منه، فإن من العلم ما هو فرض عين، وما هو فرض كفاية، وكل يأخذ ما هو مطلوب منه، والمؤمنون يقفون عند حدود الله لا يتعدونها، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ [الطلاق: ١]،