فرق في منع الضرر عنهما، واستئجار الأشجار لأجل ثمرها من قبيل بيع ثمارها، فإنه إذا منع بيعها بعد ظهورها؛ فأولى أن يمنع بيعها ولما تظهر، وجمهور أهل العلم ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة على منع كراء الأرض المغروسة لما علمت، وإن كان بعض أهل العلم ذكر خلاف ذلك عن السلف، وستجده في موضعه حين الحديث عن كراء الآرض إن شاء الله.
ومن شرط المنفعة أن تكون مباحة، فلا تجوز الإجارة على الغناء، ولا على اللعب، ومنه لعب الكرة، ولا كراء آلات الطرب، وينبغي أن تكون داخلة تحت التقويم، فلا يجوز استئجار نار ليستوقد منها، وهذا فيما لم يمنع منه دليل، وهو في المثال موجود، ولا كراء السجل التجاري، ولا الشهادة العلمية المشترطة في مهنة من المهن، وأن لا تتضمن استيفاء عين قصدا ككراء الأشجار لأجل ثمارها، لأن ذلك يؤدي إلى بيع الثمار قبل بدو صلاحها، وأن تكون مقدورا على تسليمها، ومن ذلك أن يكون الانتفاع معلوما بحيث يُبَيَّن جنسه، فمن اكترى سيارة مثلا فينبغي بيان ما إذا كانت للركوب أو الحمل، ما لم يكن عرف في استعمالها كما هو الحال اليوم فَيُحَكَّم، ولا تصح الإجارة على فعل ما هو مطلوب من الإنسان بنفسه كصلاة الوتر والصوم، لعدم حصول المنفعة للمستأجر، وتكره في نحو تأجير المرء نفسه على الصلاة إماما بالناس فرضا أو نفلا، قال ابن القاسم:«وهو عندي في الفريضة أشد كراهة»، انتهى، وقد قيدوا ذلك بما إذا كان المرء يأخذ الأجرة من المصلين، أما إن كان يأخذها من بيت المال أو من وقف المسجد ومثله مال الجمعيات اليوم فلا كراهة، وكذلك تأجير المرء نفسه للحج، وقيدوا الكراهة بما إذا كانت الإجارة على غير فرض الكفاية، أما هو فيجوز كالقضاء وحفر القبر ونحو ذلك.
ومن الإجارة المكروهة أن يؤاجر المسلم نفسه لذمي في الأمور الجائزة بشرط أن يستبد المسلم بالعمل، كأن يكون سائق سيارة، أو مقارضا، أو مساقيا، وأن لا يكون في فعل محرم، وأن لا تلحقه بذلك مهانة، ومن المذلة أن يمشي وراء الذمي، أو يخدمه في بيته، ونقل الحافظ في الفتح (٤/ ٥٧١) عن المهلب قال: «كره أهل العلم ذلك إلا لضرورة بشرطين: أحدهما أن يكون عمله فيما يحل للمسلم فعله، والآخر أن لا يعينه على ما فيه ضرر للمسلمين»، انتهى، وقال ابن المنير:«استقرت المذاهب على أن الصناع في حوانيتهم يجوز لهم العمل لأهل الذمة ولا يُعَدُّ ذلك من الذلة، بخلاف أن يخدمه في منزله وبطريق التبعية له»، انتهى، فليعتبر بهذا إخواننا الذي يُعَرِّضُونَ