يصفوه إلا بما وصف به نفسه، أو رسوله، وعليهم أن لا يجحدوا أو يؤولوا شيئا، بل عليهم أن يمروه كما جاء.
وقوله:«ولا يحيط بأمره المتفكرون»، الإحاطة هي العلم، وقيل ما تعلق منها بالمحسوسات فهو علم وإحاطة، وما تعلق بغير المحسوسات فهو علم لا إحاطة، ويرده قوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ [آخر فصلت]، وقوله تعالى ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ [البقرة: ٢٥٥].
والمراد بالأمر في قوله ولا يحيط بأمره المتفكرون أعم من الكوني أو الشرعي، فإن كلا منهما منطو على الحكم، والمصالح التي قد يعرف الناس شيئا منها، وكثيرا ما يجهلونها، فأما الأمر الكوني فلا يعلم الناس منه إلا ما أخبرهم الله به بواسطة رسله عليهم الصلاة والسلام، كما يعلمون منه ما يقع مما يمكنهم الاطلاع عليه، فيتعين عليهم التصديق به، ولا يصح أن يتوقف إيمانهم به على قياسه بعقولهم، وضرب الأمثال له، ولم يرد المؤلف بالأمر الذي لا يحاط به ما يدركه الناس بعقولهم وتجاربهم، فإن هذا مرغوب فيه، مرتبط بالتسخير الذي امتن الله به على عباده، وأما الأمر الشرعي فيجب عليهم معرفته بحسب ما كان منه فرض عين، أو فرض كفاية، فيعرفون الأوامر والنواهي بأشخاصها، لا بحكمها ومصالحها، فإن المعرفة الأولى لا بد منها في الامتثال بخلاف الثانية فإن من علم شيئا منها فهو أمر مرغوب من غير لزوم، لكن معرفة الحكمة يزداد بها الاطمئنان ويقوى، ويرسخ بها اليقين، والله تعالى لا يفعل شيئا إلا لحكمة، ولا يشرع فعلا أو يمنع شيئا إلا لحكمة كذلك، لكن تتبع المصالح والمفاسد عسير، ولذلك كانت الأوامر علامة على المصالح، والنواهي علامة على المفاسد، فإذا كانت الأوامر فوق الطاقة جاءت الرخصة، وإذا حصلت الضرورة أباح الله المحظور، فخير للناس أن ينصرفوا إلى الامتثال، وأن يقوموا مقام التسليم.
قوله:«يعتبر المتفكرون بآياته»، الاعتبار العبور من الحالة الحاضرة إلى الغائبة، وهو الاتعاظ أيضا، والآيات كونية وشرعية، وكل منهما دال على الله تعالى، وقد أمر الله