مباح، والأخير لا ينبغي أن يلتفت إليه مع مواظبته ﷺ على القصر، وقوله:«صلوا كما رأيتموني أصلي»، فأما الاحتجاج لعدم الوجوب بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾ [النساء: ١٠١]؛ فليس بناهض، لاحتمال أن تكون الآية في قصر الكيفية لا قصر العدد، وهو قول مجاهد وغيره، وعزاه في النوادر للواضحة، وعليه تكون صلاة السفر إنما شرعت بالسنة، والآية في صلاة الخوف بخاصة، جاء الاقتصار فيها على ركعة كما في حديث ابن عباس قال:«فرض الله الصلاة على لسان نبيكم محمد في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتان، وفي الخوف ركعة»، رواه مسلم وأبو داود (١٢٤٧)، وتأوله الجمهور على أن المراد صلاة الخوف في جماعة مع القصر.
والجمهور على أن قيد «إن خفتم»؛ خرج مخرج الغالب باعتبار الواقع وقت نزول الآية، فيكون مهجور المفهوم، قتدل الآية على القصر الذي نتحدث عنه، ونفي الجناح؛ يمكن أن يجتمع مع الوجوب كما في قوله تعالى:«فلا جناح عليه أن يطوف بهما»، وثم أدلة أخرى عند القائلين بالوجوب منها حديث عائشة الدال على أن صلاة السفر أصل، ونظيره حديث ابن عباس المتقدم.
أما الاحتجاج على عدم الوجوب بإتمام المسافر إذا اقتدى بمقيم، فليس بناهض، لأنه يقال زاحمت مصلحةُ متابعة الإمام وعدمُ الاختلاف عليه؛ وهي واجبة، القصرَ الواجب، فقدمت عليه، ثم إن إتمام المسافر خلف المقيم منصوص، والأصول لا يعارض بعضها ببعض.
ومشروعية القصر منوطة بالمظنة، وهي السفر نفسه، لا بالمشقة لعدم انضباطها، ومما قاله الشيخ محمد عرفة الدسوقي في حاشيته على شرح الدردير (١/ ٣٥٨) رحمهما الله في وقت لم يكن فيه شيء من وسائل النقل الحديثة: «ولو كان سفره على خلاف العادة، بأن كان بطيران، أو بخطوة، فمن كان يقطع المسافة الآتية بسفره قصر، ولو كان يقطعها في لحظة بطيران أو نحوه»!!.
والذي يشرع له القصر: هو المسافر سفرا واجبا أو مستحبا أو مباحا كسفر الحج والعمرة وطلب الرزق وصلة الرحم والرباط والجهاد وبث العلم، فإن كان عاصيا بسفره؛