للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

: «ثلاث لا يجوز اللعب فيهن: الطلاق والنكاح والعتق»، رواه الطبراني عن فضالة بن عبيد، وفي إسناده ابن لهيعة، وانتزاع الاستدلال منه على وقوع الطلاق من الحالف به عسير، لأن الحالف بالطلاق؛ أبعد ما يكون عن الهزل، ثم بدا لي أنه إذا كان الهازل تقع منه الثلاثة وهو لا يقصدها، فأولى أن تقع من غيره ممن حلف أو علق ولو كان غير قاصد وقوع ما التزمه، ومنشأ الخلاف في المسألة هو قصده الطلاق وعدم قصده، فإنه إن كان يقصد بحلفه وقوع الطلاق عند وقوع المعلق عليه فإن الخلاف في وقوعه ضعيف، وقد نقل بعضهم الإجماع على الوقوع، وإن كان إنما يريد بذلك منع امرأته أو منع نفسه من فعل شيء أو إلزامها بفعله، ولا قصد له في الطلاق، وهو مما يصعب التأكد منه، فهذا هو المختلف فيه، وجمهور العلماء على عدم التفريق، وبهذا يتبين لك وجه الاحتجاج بالحديث، فإن الهازل غير قاصد، ومع ذلك نجز عليه الشارع الطلاق والعتاق والرجعة، ويجاب عنه؛ بأنه ليس من المسلم أن يقاس غير القاصد جادا على غير القاصد هازلا، فإن الهازل يشبه المستخف من وجه، فالأقرب إلى الصواب: هو القول بعدم الوقوع، فإنما الطلاق عن وطر كما جاء عن ابن عباس في صحيح البخاري، ولأنه إذا صدق على ما قاله أنه يمين؛ فإن الله تعالى قال: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ (٢)[التحريم: ٢]، وهو جمع مضاف فيعم أيمان المسلمين، ومعنى فرض هنا بين وشرع، والتحلة ما تنحل به اليمين وهو الكفارة، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٣٥/ ٢٥٩): «،،، مع أنه لم يبلغني عن أحد من الصحابة في الحلف بالطلاق كلام، وإنما بلغنا الكلام فيه عن التابعين ومن بعدهم، لأن اليمين به محدثة، لم تكن تعرف في عصرهم،،،»، انتهى.

وقال أيضا (٣٥/ ٢٦٤): «لكن فتيا من أفتى من الصحابة في الحلف بالعتاق بكفارة يمين من باب التنبيه على الحلف بالطلاق، فإنه إذا كان نذر العتق الذي هو قربة لما خرج مخرج اليمين أجزأت فيه الكفارة؛ فالحلف بالطلاق ليس بقربة، إما أن تجزئ فيه الكفارة، أو لا يجب فيه شيء على قول من يقول نذر غير الطاعة لا شيء فيه،،،».

واعلم أن الناس عندنا قد توسعوا في الحلف بالطلاق توسعا فاحشا، والعوام يسمونه حلفا ويمينا ويعضهم يسمونه التزاما، ومما يقولونه: ثلاث لا أكلم فلانا، وثلاث لن

<<  <  ج: ص:  >  >>