للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقيدة أبي الحسن الأشعري -

وقد كان المالكية أكثر أصحاب المذاهب الأربعة تمسكا بعقيدة الأشعري في طورها الثاني، حتى قيل لا تجد مالكيا إلا وهو أشعري، لكن هل ما عليه الأشعرية هو بالفعل عقيدة أبي الحسن الأشعري التي انتهى إليها؟، ليس الأمر كذلك، ولهذا يتعين بيان عقيدة هذا العالم التي رجع إليها، وهي ما تضمنه كتابه (الإبانة عن أصول الديانة) الذي رجع فيه إلى ما عليه الإمام أحمد وغيره من أئمة المسلمين، وهو بين الناس اليوم، والعلماء يرون أن أقوال العالم إذا تعددت أخذ بما علم أنه الأخير منها إذا لم يمكن تنزيلها على حالات مختلفة، فكيف إذا صرح بأن هذه هي عقيدته، وبينها غاية البيان، والإبانة هو الأخير، كما ذكره صاحب شذرات الذهب، وابن كثير وغيرهما، وعزاه ابن تيمية لأصحاب أبي الحسن، بل إن للإمام أبي الحسن الأشعري أربعة تآليف في العقيدة جرى فيها على منهج السلف، قال الذهبي - وهو من أخبر علماء المسلمين بسير الناس -: «رأيت لأبي الحسن أربعة تواليف في الأصول، يذكر فيها قواعد مذهب السلف من الصفات، وقال فيها: تمر كما جاءت، ثم قال: وبذلك أقول، وبه أدين، ولا تؤول» (١).

وذكر ابن القيم في بعض ما كتب: «أن أبا الحسن الأشعري وأئمة أصحابه متفقون على إثبات الصفات الخبرية التي ذكرت في القرآن كالاستواء والوجه واليدين، وعلى إبطال تأويلها، وليس للأشعري في ذلك قولان أصلا، ولم يذكر أحد عن الأشعري في ذلك قولين، ولكن لأتباعه قولان في ذلك».

قلت: لكن غالب المنتسبين للأشعري يظنون أن ما رجع عنه إنما هو الاعتزال، بعد أربعين سنة قضاها فيه، ومن قضى هذه المدة ينافح عن رأي يقضي غالب العادة أن لا يقلع عنه، لولا عناية الله، لكن هذا إنما كان الرجوع الأول، أعقبه ترق آخر في سلم الخير،


(١) «سير أعلام النبلاء»: ١٥/ ٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>