للجمعة شرائط وجوب وشرائط أداء، والمراد بشرط الوجوب ما تشغل به الذمة، ولا يطالب المكلف بتحصيله، وبالثاني ما تبرأ به الذمة ويطالب بتحصيله، ومن الأول العلم بدخول وقتها، والإسلام، والبلوغ، والعقل، والذكورية، والحرية، والإقامة، والصحة، وكون المكلف على ثلاثة أميال فأقل، والاستيطان، وشرائط الأداء أربعة: الإمامة، والجماعة، والجامع، والخطبة، وبعض هذه الشروط من النوعين منصوص معروف، كالإسلام والبلوغ والعقل، لكنها شرائط عامة في التكاليف، فلا حاجة لذكرها في خصوص الجمعة، أما الذكورية والحرية والإقامة، فسيأتي فيها كلام المؤلف، وأشار هنا إلى شرطين هما: المصر، والجماعة، ولعله يريد بالمصر القرية، لا المدينة الكبيرة، فإن هذا الشرط قال به الحنفية، والجمعة صلاة من الصلوات، والأصل أن تكون مثل غيرها إلا ما نص على مخالفتها لها فيه كالخطبة، ولما كانت الخطبة الملازمة للجمعة لا يتصور أن تكون من الشخص لنفسه؛ ساغ أن يقال إنه لا بد من جماعة، ومع هذا فقد صح تقييد وجوب الجمعة بالجماعة في حديث طارق ابن شهاب عند أبي داود وسيأتي.
وقد اختلف العلماء في عدد الجماعة الذين تصح بهم الجمعة على أقوال معتمدها الآراء، أو التعلق بنصوص إما أنها غير صحيحة، وإما أنها لا تنتج المطلوب من الوجوب فضلا عن الشرطية، ورحم الله المؤلف إذ اقتصر على ذكر الجماعة، ولم يذكر عددا، وذكر الوجوب ولم يذكر بطلانا.
والمذهب أن الجمعة لا تجب ولا تصح إلا بجماعة تتقرى بهم قرية، دون تحديد عدد في بداية الأمر، ثم تصح باثني عشر باقين لتمامها، وقد اعتمدوا في ذلك على سبب نزول قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)﴾ [الجمعة: ١١]، فإن من بقوا مع النبي ﷺ بعد أن جاءت العير