٩٦ - «أو بشهادة أربعة رجال أحرار بالغين عدول يرونه كالمرود في المكحلة ويشهدون في وقت واحد».
هذا هو الأمر الثالث مما يثبت به حد الزنا، والمرود هو المِيل وهما بكسر الميم ما يكتحل به، والمُكحُلة بضم الميم وسكون الكاف وضم الحاء الوعاء الذي يوضع فيه الكحل، وهذا اللفظ مما ذكره النبي ﷺ لماعز للتثبت من كونه زنى، فقد قال له:«أنكتها؟، قال: «نعم»، قال:«كما يغيب المرود في المكحلة، والرشاء في البئر»؟، قال:«نعم»، والرشاء هو الحبل.
وقد شدد الشرع في ثبوت الزنى وإقامة حده ما لم يشدد في غيره لعظم الجرم، ولما يترتب على ثبوته من المفاسد والمضار في الأعراض، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (١٩)﴾ [النور: ١٩]، سمى الله الزنا فاحشة، وهي الفعل القبيح المفرط القبح، ومن المعلوم أن الحقوق تثبت بالشاهدين وبالشاهد واليمين، وينوب عن الرجل امرأتان في الأموال عند الجمهور، وتجوز شهادة النساء حيث يتعذر غيرها، بل وشهادة الصبيان بعضهم على بعض، وشهادة غير المسلمين على الوصية في السفر، وفي بعض هذه الأنواع اختلاف، لكن الزنى انفرد عن غيره بأنه لا يثبت إلا بأربعة شهداء بإجماع المسلمين، ولقول الله تعالى: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ (١٥)﴾ [النساء: ١٥]، ولثبوت حد القذف إذا لم يشهد أربعة كما قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور: ٤]، وقوله: ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النور: ١٣]، أي أنهم كاذبون في حكم الله تعالى، وفي ظاهر الأمر لا في باطنه، فإن الحدود مرتبة على حكم الله الذي شرعه، لا على علمه الذي تعلق بالإنسان على ما هو عليه قاله القرطبي في تفسيره، وبهذا تنحل أمامك عقدة أمر