٠٣ - «وإذا نكل المدعى عليه لم يقض للطالب حتى يحلف فيما يدعي فيه معرفة».
يقال نكل عن الشيء ينكل إذا نكص عنه وجبن، والمراد أن امتناع المدعى عليه من الحلف لا يترتب عليه بمجرده الحكم للمدعي بما ادعاه، بل لا بد من حلفه عليه.
لكنهم جعلوا الدعوى نوعين: دعوى التحقيق، ودعوى التهمة، والأولى هي التي فيها كلام المؤلف، وينقلب اليمين فيها على المدعي متى نكل المدعى عليه، فيبين صفة الشيء وقدره قبل أن يحكم له به، وقد أشار المؤلف إلى هذا النوع بقوله «فيما يدعي فيه معرفة»، لأنه لا يجوز أن يدعي على أحد شيئا وهو غير عالم به، ومن ثم فلا ينتظر أن يحلف عليه وهو يعلم أنه كاذب، فإنه يمين غموس.
وقد نقل مالك في الموطإ الاتفاق على رد اليمين في هذا النوع حيث قال:«فهذا مما لا اختلاف فيه بين أحد من الناس، ولا ببلد من البلدان»، انتهى، قال الباجي في المنتقى معقبا (٥/ ٢٢١): «ليس مما لا اختلاف فيه، فإن أبا حنيفة وأكثر الكوفيين لا يرون رد اليمين على المدعي بنكول المدعى عليه»، انتهى، ثم تأول الباجي ما قاله مالك من الاتفاق على وجه فيه شيء
ويستأنس لرد اليمين بقول النبي ﷺ لحويصة ومحيصة وعبد الله بن سهل في حديث القسامة وقد تقدم:«أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم»؟، قالوا:«لم نحضر فكيف نحلف يا رسول الله»؟، قال:«فتبرئكم يهود بخمسين يمينا»؟، قالوا:«ليسوا بمسلمين»؟.
والدعوى الثانية هي المسماة دعوى التهمة كأن يدعي أنه سرق ماله، وهذه لا تنقلب فيها اليمين على المدعي، بل يغرم المدعى عليه بمجرد نكوله على المشهور، وإنما لم يكن في هذه رد اليمين لأن الدعوى مجرد تهمة، فلا يكلف المدعي الحلف على ما لا علم