لكن لو سلمنا بأن ما عليه الأشعرية اليوم هو عقيدة أبي الحسن الأشعري التي مات عليها فإن أخذ المالكية بما يظنونه عقيدة له؛ مما يستغرب، فإن من اتبع مالكا ﵁ في الفقه وهو أحكام عملية؛ سواء لاعتقاده أفضليته على غيره، مستدلا على ذلك بالحديث المعروف الذي رواه الترمذي، وهو ضعيف، أو لكونه مجرد مقلد؛ يتعين عليه من باب أولى أن يتبعه في عقيدته، إذ كيف يعتمد مذهب مالك في جانب الفقه، وهو جانب عملي تطبيقي، ولا يعتمد منهجه في الجانب العقدي العلمي، وهو أهم، والنزول في أخذ هذا الجانب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري المتوفى سنة (٣٢٤)، وبين وفاته ووفاة مالك نحو قرن ونصف، وهذه الملاحظة يمكن أن تعم أتباع المذهبين الشافعي والحنفي، وبعض أتباع الإمام أحمد بن حنبل.
فإن قيل: إن مالكا لم يدون العقائد، ولا يوجد له فيها كبير قول، قلنا: فما كان معتقد الصحابة وسائر السلف الذين لم يدونوا العقائد؟، أم تظنون أن العقائد لا تثبت إلا إذا كثر حولها اللغط والأخذ والرد وتشقيق الكلام؟، إن معتمد العقائد نصوص الكتاب والسنة، والشأن فيها أن تتلى النصوص التي تضمنتها، وأن تفهم كما يفهم الكلام العربي، وعلى ما فهمها عليه السلف، من غير تأويل، وأن تمر كما هي، ثم إن القول بأن مالكا لم يدون العقائد غفلة من قائلها، فقد كان علم القوم في الغالب محفوظا في الصدور، أكثر من حفظه في السطور، ومن تتبع أقواله وتصرفاته في مظانها أمكنه أن يجمع من ذلك عقيدته ومنهجه، وقد فعل ذلك بعضهم كما ستراه.
كان مالك على عقيدة السلف، وهو ما عليه معظم المعاصرين له من أهل السنة، وهم معظم الأمة وسوادها الغالب، حيث كانت العقائد صافية نقية، يعتمد فيها على النصوص في مأمن من غوائل التأويل، ودعاوي التعطيل، ونقائض الكلام، والخوض فيما لا ينبغي أن يخاض فيه، وعقيدة ابن أبي زيد هذه وشرح القاضي عبد الوهاب شاهدان على