للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أقول، وهما بين أيدينا.

فإن قيل: مست الحاجة إلى الرد على المبتدعة وأهل الضلال، وقد كثر الزيغان في عهد أبي الحسن الأشعري، فالجواب: أن الحق لا يدافع عنه إلا بالحق، ولو كان هذا حقا لكان ينبغي الاقتصار فيه على من كان في حاجة إليه، فلم نجعله عقيدة الأمة؟، حتى قال عبد الواحد ابن عاشر :

في عقد الاشعري وفقه مالك … وفي طريقة الجنيد السالك

ولعل كلمة أبي طالب المكي عن مالك تلخص ما كان عليه هذا الإمام ، قال: «كان مالك أبعد الناس من مذاهب المتكلمين، وأشدهم بغضا للعراقيين، وألزمهم لسنة السالفين من الصحابة والتابعين».

وقد أبان عن موقفه من نصوص الصفات في جوابه لذلك الذي سأله عن قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الحديد: ٤] كيف استوى؟، فسكت مليا حتى علاه الرحضاء، قال الراوي: وما رأينا مالكا وجد من شيء وجده من مقالته، وجعل الناس ينتظرون ما يأمر به، ثم سري عنه، فقال: «الاستواء معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، والإيمان به واجب، وإني لأظنك ضال، ا أخرجوه عني»، فناداه الرجل يا أبا عبد الله، والله الذي لا إله إلا هو لقد سألت عن هذه المسألة أهل البصرة والكوفة والعراق فلم أجد أحدا وفق لما وفقت له» (١)، وقد روى هذه القصة عنه ممن حضر مجلسه أكثر من واحد

منهم عبد الله بن وهب، ويحي بن يحي التميمي، وأيوب بن صالح المخزومي، وقد

حصل هذا لشيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن وغيره، وروي موقوفا على بعض أمهات المؤمنين.

ولأهمية جواب مالك هذا لا تكاد تقرأ كتابا ألف في العقيدة إلا وتجد هذه المقولة مسطرة لبيان المنهج الحق المبني على ترك التأويل والتعطيل، والتمثيل والتكييف، وبعد


(١) «ترتيب المدارك» للقاضي عياض: (١/ ١٧٠ و ١٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>