للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الكفر إلى الإيمان، ومن الفجور إلى الإحصان، ومن الرياء إلى الإخلاص، مع ما يصحب التوبة من الاستغفار والندم، فهذا وجه تبديل السيئات حسنات، وقد جاء في الحديث: «ليتمنين أقوام لو أكثروا من السيآت»، قالوا بم يا رسول الله؟، قال: «الذين بدل الله سيآتهم حسنات» (١)، وليس لأحد أن يفهم من هذا أن الاستكثار من السيآت محمود لأنه سبب في تكثير الحسنات، من ذا الذي يعرف أجله؟، ومن ذا الذي يتأكد من أنه سيتوب قبل موته؟، ثم إن هذا التبديل ليس لكل أحد، إنه للمؤمنين التائبين الذين عملوا الصالحات.

وقد اختلف في قاتل المؤمن عمدا هل له توبة، فقيل لا توبة له، وقد نص الله تعالى على أن جزاءه الخلود في النار، قال سبحانه: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (٩٣)[النساء: ٩٣]، وأجيب بأن الخلود في لغة العرب يطلق على طول المدة كما في قوله: «ولا خالدا إلا الجبال الرواسيا»، وأن الله تعالى إنما ذكر جزاءه، وليس بلازم أن لا يغفر له، وقد دل الدليل على قبول توبته كما قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٧٠)[الفرقان: ٦٨ - ٧٠].

ويعضد قول من قال بعدم قبول توبته قوله : «أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة» (٢)، فيكون تخصيصا بعد تخصيص وهو كثير، وإذا صح فليس فيه إلا عدم قبول توبته، وذلك لا يستلزم خلوده في النار، بل ولا دخولها، فإن المكفرات غير التوبة كثيرة، وقد تقدم بعضها، فيكون المقصود منه شدة التحذير من مواقعة هذا القتل.

لكن قوله : «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا، أو قتل مؤمنا


(١) رواه الحاكم عن أبي هريرة وهو في «الصحيحة» برقم (٢١٧٧)
(٢) رواه الطبراني والضياء في «المختارة عن أنس» انظر «الصحيحة» (٦٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>