اعلم أن المراد من أهل الكتاب عند علماء المذهب اليهود والنصارى لا غيرهم في أمرين: أكل ذبائحهم، والتزوج بنسائهم، دون سواهم ممن اختلف فيهم كالمجوس وسائر الكفار، فهؤلاء تؤخذ منهم الجزية من غير قيد كما سيأتي في باب الجهاد، وما ذكره المصنف هو منطوق قول الله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ (٥)﴾ [المائدة: ٥]، والمراد بطعامهم عند جمهور أهل العلم ما يذكونه مما هو حلال لنا، لا مطلق ذبائحهم، وليس المراد من طعامهم غير الذبائح، فإنه لا تتعلق به الحرمة إذ لا شرط في حله غير كونه حلالا بأصله، ولا يجوز أن يكون المراد من الآية عموم طعامهم، فأما أن طعامنا حل لهم؛ فمعناه أنه يجوز لنا أن نطعمهم، وإلا فإنهم ليسوا من الحل والحرمة في شيء، فقد كفروا بالله وجعلوا له الأنداد، وهذا قد يستدل به على جواز إطعام أهل الكتاب من النسائك التي يجوز للمسلم أن يأكل منها، لأنها من طعامنا، ثم وجدت الشيخ رشيد رضا يستدل به على ما قلت.
والظاهر أنه لا فرق بين ما ذكروا اسم الله عليه، أو ذكروا اسم غيره ممن يشركونه به، من غير أن نعلم بذلك، فإن الله تعالى عليم بما يصنعون، ولم يقيد ما أحل لنا من ذبائحهم بشيء، قالوا وهذا ما لم يكن الكتابي ممن يستحل أكل الميتة، أما من يستحل أكلها؛ فلا يجوز أكل ذبيحته إلا إذا ذبح بحضرة المسلم، وأصاب وجه الذكاة، هكذا قال الباجي، وقال ابن العربي في أحكام القرآن (٢/ ٥٥٦): «ولقد سئلت عن النصراني يفتل عنق الدجاجة، ثم يطبخها هل يؤكل معه، أو تؤخذ طعاما منه؟، فقلت: تؤكل، لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه، وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا، ولكن الله أباح طعامهم مطلقا، وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا في ديننا، إلا ما كذبهم الله ﷾ فيه»، والذي يظهر أن المعتمد