هذه هي المزارعة وهي الاشتراك في زراعة الأرض البيضاء، وقد علمت قبل أن المساقاة تكون في الشجر وسائر الأصول، كما تكون في الزرع بعد ظهوره على ما تقدم من الشرط في ذلك، وإنما ذكرت هذا لاختلاف العلماء فيما تطلق عليه هذه الألفاظ: المزارعة والمساقاة والمغارسة وتأجير الأرض، فكن من هذا على ذكر حتى لا يلتبس عليك الأمر.
فإن قلت: قد روى مسلم (١٥٤٩) عن ثابت الضحاك أن رسول الله ﷺ نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة وقال: «لا بأس بها»، فالجواب: أن المراد بالمزارعة في الحديث هي مؤاجرة الأرض على غير وجه المشاركة الذي هو المراد هنا، وانظر شرح الأبي على صحيح مسلم (٥/ ٣٩٦)، والمزارعة على وجه المشاركة ليست ممنوعة متى كان العوض معلوما، فقد روى الترمذي وصححه عن ابن عباس أن النبي ﷺ لم يحرم المزارعة، ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض»، وسيأتي لهذا مزيد بيان في كراء الأرض.
أما دليل جواز الشركة في الزرع فهو دليل جواز الشركة بإطلاق، وقد اختلف في لزوم عقدها، والذي يتجه أن يقال إنه غير لازم لما يترتب على ذلك من تعاظم الغرر، وقد اغتفر في الأصل للمصلحة، فإن تبين خلافها أمكن التراجع.
قال الأبي في شرحه لصحيح مسلم (٥/ ٤٠١): «لأن الأصل أنه متى كان العوضان أو أحدهما مجهولا فالعقد غير لازم، كالقراض والجعالة والمزارعة على أحد الأقوال، لأن اللزوم مع الجهالة غرر»، انتهى.
وقال خليل:«لِكُلٍّ فَسْخُ المزارعة إن لم يبذر»، انتهى، ولجوازها في المذهب شروط فالعاقدان يشترط فيهما أهلية الشركة والإجارة لكون المزارعة مركبة منهما، والثاني أن يقع العقد بلفظ الشركة، قالوا لكونها رخصة فلا يصح بلفظ الإجارة، والذي يظهر أن تعليل