للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن قال ابن عبد البر في الاستذكار (٦/ ٣٧٥) عن عبد الله بن عصمة: «لا أعلم له جرحة»، ثم قال بعد كلام: «إن كان معروفا بالثقة والأمانة والعدالة فلا يضره إذا لم يرو عنه إلا واحد»، انتهى، ويمكن القول إنهم اعتبروه مجملا يفسره التنصيص على الطعام في الأحاديث الأخرى، وعاملوا بمثل ذلك حديث النهي عن ربح ما لم يضمن، كما أشار إليه ابن عبد البر، وليس بجيد، وعلى منع بيع جميع السلع قبل القبض يكون ذكر الطعام في تلك الأحاديث من التنصيص على بعض أفراد العام كما هو الشأن في حديث الصعيد في باب التيمم عندهم، أو لأن غالب التجارة بالمدينة كانت في الطعام، ولأن الضرر الناتج عن مخالفة هذا الحكم في بيع الطعام أقوى لعموم الحاجة إليه، ولأن البيعتين إذا لم يتخللهما قبض قد تؤولان إلى الربا، كما جاء عن طاوس قال: قلت لابن عباس كيف ذاك؟، وهذا من طاوس سؤال عن علة منع بيع الطعام قبل استيفائه، فقال ابن عباس مجيبا: «ذاك دراهم بدراهم والطعام مرجأ»، وهو في صحيح البخاري، والمرجأ المؤجل، وهذا القول من ابن عباس يدل على أن معتمده في قياسه غير الطعام على الطعام في المنع من بيعه قبل القبض، هي أن مآل ذلك الربا، ويمكن انتزاع تلك العلة التي أشرت إليها قبل وهي أن بيع السلع قبل قبضها تفتقد التجارة معها بعض مقاصد الشرع منها، وهي كونها تقرب للناس ما يحتاجون إليه، ومن باع قبل القبض فكأنما باع النقود بعضها ببعض، وهي إنما وضعت رؤوسا للأموال لا موردا للكسب والتجارة، وهذا يبين والله أعلم أن المتاجرة فيها ينبغي أن تكون مضيقة، وقد توسعت في هذا العصر بعد زوال الثمنية عن الذهب والفضة فكانت عملة العالم واحدة ثم أصبحت بالمئات.

أما تقييد منع بيع الطعام قبل قبضه بما كان غير جزاف فإن العمدة فيه التقييد بالمكيل والموزون، وهذا اعتماد على مفهوم الصفة وهو متجه، لكن معارضه منطوق فيقدم عليه، وهو ما رواه مالك (١٣٣١) ومسلم و (د/ ٣٤٩٤) عن ابن عمر قال: «كنا نشتري الطعام جزافا فنهانا رسول الله أن نبيعه حتى ننقله»، لكن ليس في الموطإ ذكر الجزاف، وفي صحيح البخاري (٢١٣١) عن ابن عمر أيضا قال: «رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله أن يبيعوه حتى يأووه إلى رحالهم»،

<<  <  ج: ص:  >  >>