وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥)﴾ [المائدة: ٤٥]، هذه مثل الأولى ليست بمعزل عن غيرها
من الأدلة التي يتعين أن يؤخذ الحكم من مجموعها، فإن الكل من عند الله لا يصح
أن يضرب دليل بدليل، لا كتاب بكتاب، ولا سنة بسنة، ولا سنة بكتاب، ولا كتاب
بسنة.
وقد بين النبي ﷺ الحالة التي يجوز فيها قتل المسلم - والذي يتولى ذلك الحاكم في قوله:«لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق لجماعة»، رواه الشيخان، قوله ﷺ والنفس بالنفس، هذا هو الأصل، لكن جاء ما يستند إليه في تكافؤ الدماء على ما يأتي، وقوله والتارك لدينه يعني المرتد بأي سبب من الأسباب، أما المفارق للجماعة فيتناول كل خارج عن الجماعة ببدعة مكفرة أو بغي أو حرابة كما سيأتي.
وقول المؤلف:«ولا تقتل نفس بنفس إلا ببينة عادلة،،،»، هذا في القتل العمد، قال رسول الله ﷺ:«العمد قَوَدٌ والخطأ دية» رواه الطبراني عن عمرو بن حزم وهو في الصحيحة برقم (١٩٨٦).
وأركان القصاص ثلاثة: الأول الجاني، والثاني المجني عليه، والثالث الجناية، وشرط الأول التكليف وعصمة الدم، فخرج الصبي والمجنون والحربي، لأنه إن لم يسلم قتل، لكن قتله ليس قصاصا، وإن أسلم جب الإسلام ما قبله، والمكافأة للمقتول، فلا يقتل المسلم بالكافر الذمي ولا الحر بالعبد، كما لا يقتل الوالد بولده إلا في
قتل الغيلة، وشرط المجني عليه عصمة دمه، وشرط الجناية العمد العدوان،
وسيفصل المؤلف ذلك، وقد علمت أن قوله تعالى عن القصاص في القتلى: ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى﴾ لا دليل فيه مثلا على عدم قتل الذكر بالأنثى، ولا على
عدم قتل الحر بالعبد، بل مرد ذلك إلى النصوص الأخرى، وسيأتي ذكرها في موضعها