النهي عن الانتباذ في الدباء والمزفت جاء في حديث أبي هريرة عند مالك وأحمد ومسلم، وفي الموطإ عن ابن عمر، ولهذا اقتصر المؤلف على ذكرهما، وعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن وفد عبد القيس قدموا على النبي ﷺ فسألوه عن النبيذ، فنهاهم أن ينبذوا في الدباء والنقير والمزفت والحنتم»، رواه الشيخان، والدباء بضم الدال والباء المشددة؛ هو القرع يجفف حتى يصلح لأن يكون وعاء وظرفا، والنقير فعيل بمعنى مفعول، هو أصل النخلة ينقر ويجعل إناء، والمزفت بصيغة اسم المفعول، المدهون باطنه بالزفت، ويقال له المقير لأنه مدهون بالقار وهو الزفت، وجاء لفظه عند مسلم في رواية لحديث أبي هريرة، والحنتم بفتح الحاء واحدته حنتمة جرار خضر مدهونة، كانت تحمل فيها الخمر إلى المدينة، ولذلك جاء النهي عن الانتباذ فيها بخصوصها، ثم أطلق اللفظ على كل خزف لأنه مشارك للجرار الخضر في المعنى، والنهي إنما جاء عن الانتباذ في هذه الأوعية لأنها من الأواني التي كانت تستعمل في الخمر فمنعه الشرع الانتباذ فيها أولا قطعا للصلة والتشبه بما كان، أو لأن الشدة تسرع إلى ما يوضع فيها، فلما اشتهر تحريم الخمر نسخ الحكم، كما رواه مسلم عن بريدة عن النبي ﷺ قال:«كنت نهيتكم عن الشرب إلا في ظروف الأَدَمِ، فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا»، والأدم بفتح الهمزة والدال، والقياس ضمهما جمع أديم، وهو الجلد المدبوغ، ومشهور مذهب مالك أن النهي عن الانتباذ في تلك الأوعية باق، وكلام المؤلف واضح الدلالة على ذلك.