المراد بالدماء القتل وهو خطأ وعمد، ويدخل في الباب قطع الأعضاء والجراح والشجاج عمدها وخطؤها، أما أحكامها فما يترتب على الفاعل من القَوَدِ والقصاص والدية، والقَوَدُ من قولك استقدت الحاكم من القاتل فأقادني منه، أي طلبت منه أن يقتله ففعل، والدية مصدر ودى القاتلُ القتيلَ يَديه دِيَةً إذا أعطى وليه المال الذي شرع إعطاؤه في مقابل النفس، وتسمية المال دية من باب التسمية بالمصدر كما في الهبة، ويدخل في الدية غرة إسقاط الجنين.
والقصاص يشمل القصاص في النفس والقصاص في الأطراف والجراح، وخص بعضهم الأول بالقود.
أما الحدود فجمع حد، وهو في اللغة المنع، وفي الشرع ما فرض لمنع الجاني من العود لمثل فعله وزجر غيره، والمراد بيان أسبابها وهي الردة والحرابة والزنا والقذف والشرب والسرقة، وبيان ما تثبت به، وذكر تقاديرها ولوازمها وما يلحق بها من الأدب والتعزير والكفارة.
ومما شرعت الحدود له زيادة على ما فيها من الردع والزجر أنها كفارات لما ارتكب من استوجبها، يدل على ذلك قول النبي ﷺ في حديث عبادة بن الصامت قال، قال رسول الله:«بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه»، رواه الشيخان، وقال النبي ﷺ:«أيما عبد أصاب شيئا مما نهى الله عنه، ثم أقيم عليه حده، كفر عنه ذلك الذنب»، رواه أحمد والحاكم والدارمي عن خزيمة بن ثابت، وهو في الصحيحة برقم (١٧٥٥)، ولهذا المعنى أثر عن بعض من بدر منه شيء من ذلك كالزنا حرصهم على أن يقام عليه الحد ليقينه بما فيه من المصلحة له، بتطهيره من الذنب، كالغامدية وماعز.