العكوف والاعتكاف الإقامة على الشيء وبالمكان ولزومهما، والقائم به يدعى عاكفا ومعتكفا ومجاورا، وقد جاء لفظ المجاورة في الحديث الصحيح، أما في الشرع فهو ملازمة طاعة مخصوصة، على شرط مخصوص، في موضع مخصوص، قاله القرطبي، والأقرب أن يقال إن الاعتكاف ملازمة المسجد على وجه نخصوص تعبدا لله تعالى.
ومن حكمة مشروعيته: أن يعتزل المرء الحياة العامة بعض الوقت، ويتفرغ لطاعة الله بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن والتفكر، فإن هذا أساس صلاحه، ومرجع كرامته وفضله، والدنيا كما قال النبي ﷺ:«ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه»، رواه البيهقي عن أبي هريرة، ففيه الاستكثار من الجانب الخالص الخيرية فيها، وترك ما عداه إلا ما هو ضروري له في خير بقاع الأرض، وهي المساجد.
وفي مشروعيته إشارة إلى أن الاعتزال إن كان لا بد منه فليكن فيها، وفيه تعويد للنفس على ترك بعض المباحات فترة يختارها المعتكف، فيسهل عليه ترك ما منع منه في سائر الأوقات كما هو ملحوظ في الصوم، وفيه ترك بعض القربات مؤقتا لمزاحمتها قربات أخرى تنافي معنى الاعتكاف، على اختلاف فيها، ومن الحكمة فيه أن يتعود المسلم على التسليم لما في الشرع، غير واجد في نفسه حرجا، إذ يقال له لا تعد مريضا وأنت معتكف، أو لا تدخل منزلك وأنت كذلك، فيحمله هذا على الدوران مع الشرع كيفما كان، ويبتعد عن تحويل العبادة إلى أمر معتاد يفعله بحكم التعود، ولذلك فإن المعتكف إذا ساوى حاله في اعتكافه حاله قبله فلا معنى لفعله، وقد امتنع النبي ﷺ من المضي فيه، وقد كان يعتاده في رمضان حينما رأى أمهات المؤمنين نصبن أخبيتهن في المسجد، لأنه يكون كالذي في داره، انظر الموطأ (٦٩٧)، (خ/ ٢٠٣٣).
قال ابن العربي في (المسالك ٤/ ٢٥٤): «الاعتكاف ملازمة المسجد بالنية، فالنية تقطع قلبه عن الدنيا وعلاقاتها، والمسجد يمنع بدنه عن الاشتغال بأشغالها، لأن المساجد