٣٨ - «والقيام من الليل في رمضان وغيره من النوافل المرغب فيها».
يظهر أن المؤلف يفرق بين الوتر وقيام الليل، ولهذا تكلم على الوتر وحده فيما تقدم، وبعد أن ذكر التراويح تكلم على قيام الليل في رمضان وفي غيره لأن فضيلة قيامه لا تختص برمضان، وتسمى صلاة الليل وترا، ويدل على تأكدها قول النبي ﷺ:«يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله يحب الوتر»، رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة عن علي ﵁، وأهل القرآن يحتمل أن يراد بهم عموم المسلمين، ويحتمل خصوص حفاظ القرآن، وقد قال النبي ﷺ:«إن لله أهلين من الناس: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته»، رواه أحمد والنسائي وابن ماجة عن أنس، قال الطيبي كما في عون المعبود:«يريد بالوتر قيام الليل، فإن الوتر يطلق عليه كما يفهم من الأحاديث، فلذلك خص الخطاب لأهل القرآن»، انتهى، وقد قال النبي ﷺ:«الوتر حق، فمن شاء أوتر بسبع، ومن شاء أوتر بخمس، ومن شاء بثلاث، ومن شاء أوتر بواحدة»، رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي أيوب ﵁، وروى مالك في الموطإ بلاغا ووصله أحمد أن رجلا سأل ابن عمر ﵁ أرأيت الوتر أسنة هو؟، قال: ما سنة؟، أوتر رسول الله ﷺ، وأوتر المسلمون، قال: لا، أسنة هو؟، قال: مه، أو تعقل؟، أوتر رسول الله ﷺ، وأوتر المسلمون»، قال ابن عبد الملك وهو في شرح الزرقاني على الموطإ:«خشي ابن عمر إن قال واجب أن يظن السائل وجوب الفرائص، وإن قال غير واجب يتهاون به ويتركه»، انتهى.
قلت: غرض ابن عمر أن يشتغل الناس بالاقتداء بالنبي ﷺ فيفعلون مثل فعله، وقد استفاض عنه ﷺ فعل الوتر، ونظير هذا ما سبق حيث سأله بعضهم عن الأضحية، ومن ذلك كلامه لمن راجعه في شأن تقبيل الحجر الأسود إن هو زوحم، ولا شك أن أفضل النوافل الوتر لكونه يدخل في صلاة الليل وقد قال النبي ﷺ فيها:«أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم»، رواه مسلم